على فكرة: فكرة الاعتصامات والإضرابات مسألة معروفة، وموجودة فى الإسلام، ومشروعة، ولا أظن أن متأنيًا يمارى فى شرعيتها، ووجاهتها، وكونها بديلاً راقيًا عن العنف اللفظى أو البدني، والسفه السلوكي، والتدمير المادي، ناهيك عما هو أسوأ؛ كالحرق والقتل.. أتذكر قارئى العزيز حين منع النبى صلى الله عليه وسلم من دخول مكة عام الحديبية، وكان قد خرج معتمرًا لا يريد حربًا، فى ثياب الإحرام البيض، فى ألف وأربعمائة، يسوقون معهم الهدى معتمرين، لتعلم قريش أنه صلى الله عليه وسلم خرج زائرًا للبيت، معظمًا له، فلا تفكر فى صده عن مكة.. لكن عناد قريش غلبها، فخرجوا يعاهدون آلهتهم ألا يدخلها المسلمون عليهم أبدًا. وبدأت السفارة بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم، وكان أول من جاءه، بديل بن ورقاء الخزاعي، فى نفر من خزاعة، فسألوه عن سبب مجيئه، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه لم يأت يريد حربًا، بل جاء زائرًا للبيت، معظمًا لحرمته – وهو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم – فعادوا ليؤكدوا لقومهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يأت لقتال، بل جاء زائرًا للبيت، فعاندت قريش، وقالوا: على جثثنا، حتى وإن لم يكن يريد قتالاً، فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدًا، ولا تتحدث بذلك عنا العرب! وبعثوا أيضًا الحليس - وكان سيد الأحابيش - فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدى فى وجهه حتى يراه، فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي، رجع إلى قريش دون أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إعظامًا لما رأى، فسفهوه، فغضب، وقال: يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم! أيصد عن بيت الله من جاء معظمًا له؟! والذى نفس الحليس بيده لتُخلُّن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد! فانظر إلى فعله صلى الله عليه وسلم، وكيف أثر فى نفوس من أتوه سفراء من قريش! وكيف قرأ نفسياتهم، ونجحت مساعيه فى تحقيق ما يريد! وأشهر الاعتصامات وأقدمها فيما يبدو لى اعتصام الأخ الأكبر لسيدنا يوسف عليه السلام، بعد احتجاز أخيه فى قصر الصدِّيق، إذ أبى المغادرة، وأعلن أنه لن يبرح المكان، وسيضرب عن العودة حتى يعود أخوه، أو يأذن أبوه! (قال كبيرهم: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله، ومن قبل ما فرطتم فى يوسف! فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبي، أو يحكم الله لي، وهو خير الحاكمين).. وقد أضرب فلسطينى مجاهد من أسرة مجاهدة كلها أبطال (سامر العيساوي)، إذ اعتقل أبواه وإخوته وأخواته، فهو مجاهد حقيقى لا مجاهد ميكروفونات، ولا مناضل بارات، ولا بلطجى مولوتوف، ولا هو سِهِّير فى خيام البانجو والحريم، بل دخل التاريخ باعتباره صاحب أطول إضراب عن الطعام عرفته البشرية؛ إذ احتج أكثر من تسعة أشهر، ليوصل قضيته للعالم، ونجح، وانتصر بمعدته الخاوية على الدولة العنصرية المجرمة! ويتفاوت أثر المعتصم بحسب حسن تخطيطه، وقدرته على تجييش الناس، فمنهم من يعتصم بعيدًا عن الأعين فلا يهتم له أحد، ويستأصله فجورُ خصومه، كما فعل الصهاينة مع الأمريكية ريتشل كوري، التى دهستها الجرافات الإسرائيلية؛ فجورًا واستهانة. ومنهم من تهتز له الدنيا بحسب (الظهر) الذى يحميه! ومنهم من يحسن التخطيط، فيحرك العالم، كما فعل سامر العيساوى ورفاقه.. لكن هل الإضراب مشروع بالتدمير، والعنف، وتحديد الأرواح، وحرق الملكيات العامية، أم يبقى مرفوضًا ومدانًا، وسلبيًّا فى الأحوال كلها؟! على كل فقد استحدث مناضلو البانجو والبيرة و(الروشنة) أساليبهم الخاصة فى التظاهر والاحتجاج، وهى أساليب ناجعة، يشهد لفاعليتها القاصى والداني.. فاستعانوا أول الأمر بأستاذات عفائف، طاهرات، خبيرات فى (فن التأوه المحترم فى الفِراش) متمرسات فى الأداء الزوجى السينمائى (كده وكده يعني)، خبيرات فى إبراز 90% من أجسادهن (طبعًا ليس حرامًا ولا أى شيء) وخرجت صاحبات الصون والعفاف يهتفن ضد المرشد بتاع السلفيين والإخوان و(الدقون كلها)! ثم بدا للثوريين الفالصو استحداث وسائل أكثر نجاعة وفاعلية بعد أن لم تُجد سرسعة التافهات، فاستعانوا برقاصة تتظاهر (عشرة بلدي) وتجمع آخر المظاهرة (النُّقوط)، وتهدد كل دقن بوصْلة رقص شرق بالشمعدان، وهى على ثقة أن (السُّنية) سيستسلمون، ويرفعون الرايات البيض، فوجدتهم (آخر طناش).. فكان أن رفع السادة أنصار (الطهارة الثورية) رايات أُخَر تذكر بصاحبات الرايات فى التاريخ، إذا حمل الأشاوس والحرائر ال(سليبات) وقطع البيكينى السفلية، مختارين اللون الوردي، الذى يقول المتزمتون والرجعيون إنه لون مشبوه، يلبسه فى عصرنا الميمون من يعملون عمل قوم لوط، وزعم واحد من سيئى النية أن حمَلة هذه القطع الساخنة كلهم من حزب قوس قزح شبانًا وشابات.. يعنى بالعربى نجح من يعملون عمل قوم لوط فى إقامة أول مظاهرة علنية لهم فى قاهرة الأزهر، وأمام الشاشات العالمية، وبمباركة ودعاية أم قويق، وأبو قردان، وأبو قرعة زنة، والطبال، وبقية التخت الشرقى العتيد.. لقد احتج الثوار (الأطهار) برفع السليبات الداخلية، واحتجوا برقاصة بلدي، وكتبوا على الجدران كلمات عن ال(النص التحتاني) باسم مصر الثورة، وأشاروا إشارات وقحة على الشاشات، وعير بعضهم خصمه بأمه مديحة، والتُقطت صور للأولاد والبنات مكومين فى الأركان بحرية، وعثر أناس على الخمور وحاجات عيب فى خيام التحرير، ونُشر ذلك فى الصحف، وهددت بعض صاحبات العفة بالتظاهر عاريات، كما فعلت البنت المجنونة إياها! المشكلة الكبيرة أن (الجماعة الدقون) لا يندهشون، ولا يتحركون، ولا يُستفزون، فلم تبق إذن غير خطوتين، ليحصل الاعتصام النهائي: مظاهرة بال(حاجات اللانجيرى القصيرة قوى قوي) أو بالسوتيانات الفتلة.. ثم بعد ذلك تأتى الضربة القاضية، إذ سيرفع الثوريون المعتصمون الخيام، (وينصبون السراير) فى التحرير، ويصير الاعتصام والإضراب عينى عينك، وكله طهارة ثورية، ونضال وإصرار وعرق من أجل التحرير، وتصميم على إنهاء حكم المرشد المتخلف، الذى يزعم أن الاعتصام على السراير فى التحرير حرام.. هل هذا ما تريدونه لمصر أيها ال؟؟؟؟؟؟؟؟ [email protected]