عندما تتضاءل إمكانات الإنسان العقلية، ينبهر بأصحاب الإمكانات المتواضعة، والعكس الصحيح، فلا ينبهر المبدع صاحب القلب السليم، إلا بقرينه أو بمن يفوقه، أو بمن هو أفضل منه في السمات الشخصية المتعلقة بالنهج والسلوك، بالعبادات أيضًا والمعاملات كذلك، ويتطلع أن يكون مثله. والعقل نور، وهو زينة أيضًا، وهيبة ووقار كذلك، وعكس ذلك كله، وإلا فلم يكن لأبى حنيفة أن يمد رجليه. أقول قولي هذا لأربطه بكون الإنسان ومهما كانت إمكاناته، هو دائمًا وعلى مدار اليوم بل والساعة وربما اللحظات أحيانًا، أمام اختيارات، سواء على مستوى حياته الشخصية أو العملية كذلك، وهو المسؤول عن اختياراته وهو الحاصد وربما ومعه غيره مع تعقد المنظومة أو مع من هم في ولايته، لنتائج اختياراته. ومن هنا، فأبدًا ما كان لعاقلٍ إلا أن يفكر قبل كل قولٍ أو فعلٍ أو حركة إجمالًا، وقد يفكر أحدنا ولكن يشوب تفكيره نقصٌ أو عِوارٌ، يعنى الأمر هنا لا يتوقف على التفكير وفقط، ولكن على التفكير العلمي، الشمولي والمختبر، فلا يتخلف العاقل المتميز عن ائتناسٍ برأيٍّ أو بنصيحةٍ من آخر، طالما سمحت الظروف بتوافر الأنيس، الأنيس الفكري بالتأكيد، «مش أي أنيس». كيف تدار مصر الآن؟ والله لم نعرف تفصيلًا ولا نعرف الآن كذلك، لكننا أمام الاختيارات والمخرجات نستطيع أن نستشف العنوان وعندئذ «مش مهم التفاصيل»، والعنوان يقينًا الآن، هو أن مصر تُدار عشوائيًا أحيانًا وجزئيًا في أحيانٍ أخرى، طيب وما السبب؟ إن أردت أن تعرف السبب، ابحث أولًا عن الرؤية والسياسات والبرامج، فإن لم تجدها معلنة ومعروفة، فاعرف أن السبب هو انعدام الرؤية ومن ثم انتفاء السياسات وبالتأكيد فلا برامج، وكل انتخابات وأنت طيب. يبقى السؤال الذى انشغلت به منذ عامٍ أو يزيد أن أين البديل الإسلامي/ الإسلامي؟ موجود، طيب ماذا ينقصه؟ أولًا أن يتعلم من الإخوان، أقصد تجربة الإخوان منذ 11 فبراير 2011 وحتى الآن، أقصد سلبيات الإخوان. ليه؟ هُمَّ ماعندهمش إيجابيات؟ لأ عندهم، طيب ما هي؟ التنظيم، وأقصد من التنظيم، التنظيم المحكم، والمترابط كذلك «ما شاء الله ولا قوة إلا بالله» ثم وفقط، يعنى لا إدارة علمية ولا سياسة، لأن العوار في هذه وتلك مشهود ولا جدال حوله، إلا من رحم ربي من بعض كوادرهم، ورغم أن بعضهم من الرموز، لكن يبدو لنا أنهم غير مؤثرين، لأن القيادات الأعلى تبدو أمامنا منغلقة و«متربسة»، أما إعادة تشكيل فرصة جديدة، فيحتاج ذلك ابتداءً لعلاج، ثم لرؤية فوق سقف المعتاد، بمسافات، ويعلم الله مدى ألمي وحزني الشديد على التجربة السهلة، التي «صعبناها بأنفسنا»، والفرصة العظيمة «المنحة»، التي بددناها بسذاجة. المهم، نعود للبديل الإسلامي/ الإسلامي، ونستكمل إجابة السؤال أن ماذا ينقص هذا البديل لكي يحل محل الإخوان في الصدارة السياسية، الإسلامية منها والمصرية كذلك؟ قلنا أن يتعلم من تجربة الإخوان فهي بعد الإيجابية المتعلقة بالتنظيم المحكم والمترابط وفقط لا غير، فهي أيضًا تجربة ثرية بالسلبيات خلال العامين المنصرمين، كما عليه أن يتعلم أقصد هذا البديل المنتظر، من تجربته الذاتية كذلك، خلال نفس الفترة بل وقبل الثورة أيضًا، ذلك أولًا. أما ثانيًا، فأن يضع رؤية استراتيچية تعايش الواقع وتستشرف الغايات الممكنة، وتحمل في طياتها آليات وأدوات تحققها، يعنى سياسات وبرامج، وفق إدارة علمية تخاصم العشوائية والارتجالية والجزئية كذلك، يعنى تستهدف الكلي والشمولي، وبالمناسبة فمخاصمة الجزئية لا تعني مخاصمة التفاصيل، فالجزئية أن تأتي بحلٍ يقتلع فرع ويتجاهل الجذر، والجزئية أيضًا أن تتخير الصغرى من الأمور والتي لا تغطي الأركان، بينما إمكاناتك تسعفك أن تتخير الكلي الذي يغطي الربوع المترامية، أما التفاصيل فو الله بالغة الأهمية وتدقيقها واجب، بعد أن تناقش العنوان وتعتمده. الخلاصة، أن يكون البديل الإسلامي منظومة عاقلة ورشيدة، ترى الحالة المصرية من أعلى قمة في مصر، فتربط بين مشاكلنا كلها، فتستخلص الحل العريض بل و«الولّاد» كذلك، أما الرشاد فالوعي بأن المعلومات هي الهدف الأول، ومن ثم فهي السبيل لكي تجسد أمامك المعوقات الإدارية «التراثية»، والفساد ب «أنواعه» أيضًا، والخصوم كذلك، والأهم الحنكة في التعاطي معها كلها، وبذلك أصبحت أيها البديل سياسيًا درجة أولى، ومن ثم فلنذهب إلى ثالث وهو الإعلام. أن تُعلم الناس بك، وأن تجهز نفسك لتفنيد كل ما قد يطالك من خصومك السياسيين، وأغلبهم في مصر مفلسين سياسيًا، لكنهم كذابون بامتياز ويملكون المال والوسيلة، وليس مطلوبٌ منك إلا أن تصل لأهلنا الطيبين ببيانٍ يوميٍّ تحت عنوان «قالوا ونعقب» تتحدث من خلاله ببساطة وبإيجاز وأؤكد ب «بإيجاز» ومن خلال وسيلة «جاذبة»، تفند ما قالوا وتقدم نفسك من خلالها، باعتبارك المعتمد على شمولية الإسلام، العلم والإيمان. إلى هنا، فتلك ثلاثية موجزة، ولكنها تشمل كل المطلوب منك، وإياك من كثير....، ولكنى أحذرك الآن فقط من المكابرة والانغلاق، أما أنصارك فتوظيفهم سيأتي آليًا، هل تعرف لماذا؟ لأنك هكذا وفق اعتمادك لكل ما تقدم، أصبحت مديرًا، في مرحلة لم تعد الرومانسية السياسية والعواطف عنوانها. فقط أذكرك، أن الرومانسية السياسية والعواطف، نجحت عبرها جماعة الإخوان في صناديق خريف وشتاء 2011/2012، ولكنها لم تكن مؤهلة كمديرة، فجاءت مرحلة الإدارة وهي قابعة في البقالة. أنا لا أغفل مطلقًا، أهمية وجدوى الرومانسية السياسية ومخاطبة العواطف الوجدانية، بل ستعتمدها أنت نفسك لاحقًا في تذكير الناس بإنجازات وأحلامهم معك في طموحاتك، بالتأكيد ذلك في تزاوج مع الإدارة العلمية التي تقدم برنامجًا يتلمس الناس خلاله المنظور من إنجازاتك، ولكن أقصد تلك «الرومانسية» ستعتمدها مصاحبة للإدارة، في حملتك التمهيدية للسنوات الأربع التالية، لولايتك الأولى، إن قدر الله لك الأولى، وإن قدر الله لنا ولك عمرًا. [email protected]