في محاولة لفك الالتباس في ظل غيوم المشهد المصري الحالي قد نجد أن سبعة أطراف تؤثر في المشهد السياسي المصري (بنسب متفاوتة) هم: [ الإخوان والرئاسة – بقية التيارات الإسلامية – قوى المعارضة – قوى النظام السابق مع أجهزة فاعلة في الدولة العميقة– قوى الإقليم العربية – إسرائيل – أمريكا]. 1/ الإخوان شارك الإخوان في الثورة وقاموا بحمايتها في أيامها الفاصلة, لكنهم لم يكونوا إلا أحد مكوناتها, فالمصريون قاموا بثورتهم لتحقيق أهدافهم وليس بالضرورة لتحقيق أهداف الإخوان (وإن تلاقت بعض الأهداف), ومن ثم لم يكن من الطبيعي أن يشعر الإخوان أن ما حدث "جَزمًا ويقينًا" خطوة على طريق أهداف الإخوان (الفرد – البيت – المجتمع – الدولة – الخلافة – الاستاذية), فحين يكون تقييم الإخوان لما حدث في ثورة 25 يناير أن الله أراد لهم الوصول إلى (الدولة) واختصر لهم مرحلة (المجتمع) فهو خلل كبير في التصور, وحينما يتم ترويج الأمر داخل الصف الإخواني على أنهم في مرحلة التمكين, ثم حينما يتعثر الأمر يُقال لهم نحن في مرحلة المدافعة يتبعها مرحلة التمكين, فهو خطأ أيضًا في التصور, لأن مصر لم تكن (فراغ) ممهد لأي أحد أن يملأه. فليس ثمة شك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أراد إزالة حكم مبارك, لحكمة لا يعلمها إلا هو, فمن يستطيع من البشر أن يتألى على الله ويدعي المعرفة بحكمته؟ (فإدراك حكمته سبحانه حيرت أصحاب العقول وأذهلت أولى الألباب), فما كانت مواقف "الخضر" مع موسى "عليه السلام" إلا تأكيدًا وتعليمًا لموسى وللأمة من بعده أن حكمة الخالق لا يدركها البشر إن لم يكشفها الله سبحانه وتعالى لهم.. 2/ بقية التيارات الإسلامية إن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم, وقد أخافت (الآخرين) المليونيات التي جمعتهم معا ,ولذلك كان من المهم العمل على إثارة الخلافات بينهم وتفريق صفوفهم كما تم تفريق شركاء الميدان, فقد كان هتاف (إيد واحدة) مُرعبا ومربكا للأخر (بكل صوره),بعد تطبيق نظرية الاستعمار (فرق تسد) لعقود مضت. حينما نرى خلاف (الإخوان – النور) , وحينما نرى من يتعمد إظهار صورة ( جمال صابر) داخل سيارة الترحيلات وداخل مكتب التحقيقات وهو معصوب العينين فهو يهدف الى إثارة غضب أنصاره وإلقاء اللوم على السلطة باعتبارها المسئولة سياسيًا عن تصرفات الداخلية, ومن ثم يساهم في مزيد من الفرقة بين التيارات الإسلامية, وسنرى في الأيام القادمة أحداثًا جديدة على هذا النهج.. 3/ قوى المعارضة يُخطئ الإخوان كثيرًا حينما يصبون جام غضبهم على البرادعي أو حمدين أو على كل مكونات جبهة الإنقاذ, فهم أضعف من أن يحركوا مظاهرة من 10,000 متظاهر بكل تياراتهم, أو أن يمنعوا أحداث العنف في الشارع, وهم أضعف من أن يكونوا صُنّاع المشهد, بل يتم استخدامهم كغطاء سياسي مؤقت, وإذا انتصر الخصوم الحقيقيون في معركتهم مع الإخوان فسيأتي الدور (من بعدهم )على غيرهم من التيارات الإسلامية ثم المعارضة الشريفة. فرز لازم إن الفرز الحقيقي للقوى المعارضة للإخوان سيتضح منه ما يلي: وجود قوى كانت ضد الإخوان (قبل الثورة) ولا تزال على خصومتها (بعدها) فهؤلاء لا يخاصمون الإخوان بسبب أخطائهم (وإن تذرعوا بها) لكنهم يخاصمونهم مخاصمة أيديولوجية لمرجعيتهم الإسلامية. أما من لم يكن ضد الإخوان قبل الثورة وأصبح (الآن) ضدهم فهم ينقسمون إلى قسمين: قسم يعارض الإخوان بإنصاف وموضوعية يتجاوز الحزبية فينتقد ويعارض الإخوان بدوافع دينية أو وطنية معتبرة لما بدر منهم من أخطاء (وهي كثيرة), وقسم ثان يعارض الإخوان لأنهم يرونهم الحائل بينهم وبين الوصول إلى السلطة.. 4/ قوى النظام السابق مع الفاعلين في الدولة العميقة وهؤلاء لهم هدف أكبر ضمن أهداف عديدة وهو (عودة النظام السابق بشخوص جديدة مع بعض التحسينات) وهؤلاء لهم امتدادات داخلية وإقليمية ودولية تتساند بالمال والنفوذ والإعلام يعملون على إشاعة الفوضى وغياب الهدوء, حتى يشتاق الناس إلى ما سبق. هؤلاء هم الداعم والفاعل والمحرض الحقيقي لكل صور الحرائق والدمار، والقتل، والنهب وقطع الطرق والمواصلات، ودعوة الجيش إلى تولي مقاليد الحكم. 5/ بعض قوى الإقليم لم يعد خافي على أحد أن ثمة مخاوف لدى كثير من دول الإقليم من نجاح الثورة المصرية, فهم يرغبون في قطع الطريق أمامها أو إجهاضها حتى لا تكون إلهامًا لشعوبهم. 6/ إسرائيل دون الدخول في خلاف حول نظرية المؤامرة هل هي حقيقة أم مبالغة؟ فستبقى هذه التساؤلات حاضرة: هل يمكن تجاهل مدى قلق إسرائيل البالغ في الأيام الأولى للثورة؟ وهل يمكن تجاهل أن إسرائيل سعت لدى أمريكا كي تحمي مبارك من السقوط؟, وهل يمكن أن نتجاهل العداء التاريخي بين الصهاينة والتيارات الإسلامية إجمالًا والإخوان تحديدًا؟ وهل يمكن لعاقل أن يقول إن إسرائيل بساستها وجيشها ومخابراتها يشاهدون المشهد المصري الآن بصمت ودون تدخل؟ 7/ أمريكا وهنا نتساءل أيضًا: هل يمكن لعاقل أن يعتقد أن يد أمريكا نظيفة وبريئة مما يجري على أرض مصر؟ وهل يمكن أن تترك أمريكا دولة كمصر دون تدخل في شئونها؟ لم يكن من السهل على أمريكا أن تقبل بحكام جدد لمصر دون تفاهم مسبق, وأحسب أن ذلك تم مع الإخوان (وكان سيتم بشكل أو آخر مع غيرهم للقبول بوصولهم للسلطة), لذلك, أرسلت أمريكا مندوبيها تباعًا للقاء الإخوان (وغيرهم) للاطمئنان على خارطة الطريق, وقد حدث تفاهم ثلاثي (أمريكا – إخوان – مجلس عسكري) للعبور بمصر من مرحلة الثورة إلى مرحلة السياسة بتفاهمات تحافظ على ما أسماه (محمد عصمت سيف الدولة) البقرات الثلاثة المقدسة (الحفاظ على اتفاقية السلام مع الصهاينة – العلاقة الجيدة مع الأمريكان – الاستمرار في تبني نهج اقتصاد السوق).. ما هو الحل إذن؟ الحل عند الرئيس ومعارضيه الشرفاء, أن يدركوا جميعًا أن (إيد واحدة) هي التي أسقطت مبارك, وأرعبت إسرائيل وأربكت أمريكا, فلم يستطع أحد مقاومتها, وأن (إيد واحدة) هي التي ستنجز التحول الديمقراطي وتداول السلطة وتقدم مصر. على الرئيس (والإخوان) أن يدركوا أن مسار الأحداث على أرض مصر لا يعكس بالضرورة ولا يمكن توصيفه (كما هو متداول في أدبيات الإخوان)- وعلى الرئيس أن يتحصن بشعبه ويتمترس به لمقاومة حلف الثورة المضادة, فليس ثمة سبيل لمواجهته بأي فصيل منفرد مهما كبر, على الرئيس والإخوان أن يدركوا أنهم لم يحكموا بعد, فالحكم يتحقق حينما يستطيع الرئيس امتلاك أدوات الحكم, وهو لا يمتلكها حتى الآن. وعلى المعارضة الشريفة أن تعمل بجد لتقوية أحزابها وبرامجها وخططها لتكون البديل المناسب, حتى إذا حان موعد الاستحقاق نرى بدائل وطنية معتبرة, وعليها أن تتسامى فتحب الوطن ومصلحته أكثر مما تنحاز لمصلحة أحزابها الضيقة, لأن الوطن لا يحتمل ترف الخلاف السياسي الذي استثمره دعاة العنف والفوضى, فليطلق أحد الحكماء (هدنة أو مهلة أو استراحة محارب –إن صح التعبير) حتى تتعافى مصر اقتصاديًا, فإن تعافت عدنا نتبادل اللكمات.. ووقتها يمكن لمصر أن تتحمل لأنها ستكون بعافية.. إن المجتمعات المستقرة تتحمل الخلافات السياسية والإضرابات والمظاهرات والاعتصامات, لكن مصر الآن لم تعد تتحمل, ثم إن الجميع عليهم إدراك أن فشل تجربة التحول الديمقراطي لن يصب إلا في صالح النظام السابق بشخوص جديدة. فاتقوا الله في مصر.. وأعيدوا هتاف (إيد واحدة).