يظهر عشقه للمصريين منذ الوهلة الأولى لكلامه ، ولتقديره لثرى أرض الكنانة ، يرى فيها المحبوب المرجو قربه ووده ، والزعيم الذي غيبت الغيوم نوره ، فجاء إليها ليقتبس من نورها ويلتمس ود أهلها آملا أن يرى اعترافهم بدولتهم الوليدة التي ما برأت تلملم جراحها من الحروب الدامية التي نال فيها الصرب منهم وحصد من سكانها خيرة الرجال .. إنه دكتور بكر إسماعيل الكوسوفي ممثل دولة كوسوفا في الوطن العربي ، الذي كشف في حواره لنا عن مفاجآت من بينها العلاقات الاقتصادية القديمة بين مصر وكوسوفا، وأوضح أن سلسلة محلات "عمر أفندي" الشهيرة كانت مملوكة لمواطن ألباني عاش في مصر وعشقها ورفض أن يغادرها .. كلمنا عن تاريخك في العمل السياسي بكوسوفا كانت دراستي الثانوية بكوسوفا ثم أكملت تعليمي الجامعي والدراسات العليا في مصر ، حيث تخرجت عام 1992 من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وعملت منذ تخرجي في انشطة ثقافية وعام 96 عملت في وكالة "ألبا برس" وشغلت عدة وظائف منها مستشار خارجي لوزير الخارجية الكوسوفية ومتحدث رسمي باسم الحكومة لدى الدول الاسلامية ، ثم قائما بأعمال السفير لدولة كوسوفا في الدول العربية. ماذا أحرزت من نتائج لدعم الاعتراف بدولتكم الوليدة؟ ولماذا ممثل واحد من جانبكم لكل الدول العربية؟ لقد اعترفت بنا 98 دولة منها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وكثير من الدول الأوروبية والإمارات والسعودية والبحرين والأردن وسلطنة عمان وقطر والكويت . أما مسألة التمثيل فهناك سفارة لنا في السعودية تغطي دول الخليج لأن دول الخليج جميعها اعترفت بنا عدا اليمن ، وهناك خطوات لإنشاء مزيد من السفارات حسب الإمدادات والظروف السياسية لكل بلد .. ولكن بإذن الله أكبر سفارة سسنؤسسها ستكون في مصر حينما تعترف بنا رسميا. إلى جانب ذلك لدينا 18 قنصلية و36 سفارة في كوسوفا وننتظر فتح 8 سفارات لدول أخرى . * لماذا تأخر الاعتراف العربي بكوسوفا ؟ ولماذا كانت الولاياتالمتحدة أول الدول التي اعترفت بكم؟ اعترفت بنا بعض الدول العربية ولكن هناك دول كان لها علاقات مع صربيا وروسيا ، وهو ما أثر بالسلب على اعترافهم بنا ، أما بالنسبة لاعتراف أمريكا بنا أولا ، فهذا لأنها من الدول الديموقراطية الكبرى وكذلك فرنسا وبريطانيا وألمانيا ، فكل هذه الدول سارعت للاعتراف بنا. *ما موقف صربيا من ذلك ؟ صربيا قدمت سؤالا لمحكمة العدل الدولية هل كوسوفا دولة مستقلة ؟ فأصدرت المحكمة رأيها الاستشاري بشأن قانونية استقلال كوسوفا ، وهنا كان يجب على صربيا أن تعترف بنا كدولة مستقلة ذات سيادة، إلا ان هذا لم يحدث، رغم أننا لم ننفصل عن صربيا ولكننا حصلنا على استقلالنا من احتلالها ، فقد كنا مستقليين كدولة منذ تفكك الاتحاد اليوغوسلافي واحتلنا الصرب إلى أن حدث الاستقلال. * كيف يمكن أن نستثمر أجواء الربيع العربي لدعم ملف دولة كوسوفا؟ بعض دول الربيع العربي كان لها علاقات قوية مع روسيا وصربيا وهو ما أثر بالسلب على اعترافها بنا ، ولكن بعد ثورات تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا ، انتهى هذا التأثير بعد مجئ حكومات الثورة الجديدة ، وأصبح اعترافهم بنا وشيكا . وقد كانت كوسوفا من أوائل الدول الأوروبية في الاعتراف بالثورات العربية، فبعد ثورة 25 يناير أصدرت كوسوفا بيانا للاعتراف بالثورة المصرية وجاء وزير الخارجية الكوسوفي أنور هوجا وزار ميدان التحرير مباشرة وقابل شباب الثورة وأعطى تصريحاته الصحفية من الميدان ، ثم التقى بأمين جامعة الدول العربية ، ثم التقى بقادة الأحزاب الجديدة ومرشحي رئاسة الجمهورية. وحدث نفس الأمر في ليبيا وسوريا ، حيث كانت كوسوفا من أوائل الدول التي اعترفت بثوراتهم ، حتى اتهمتنا روسيا بدعم الثوار المسلحين في سوريا. كما بدأنا اتصالات مكثفة بالسياسيين في دول الربيع العربي لتنشيط العلاقات. *وما آخر اللقاءات السياسية التي تمت مع المسئولين في مصر؟ قام وزير الخارجية الكوسوفي انور هوجا بزيارة مصر ثلاث مرات بعد الثورة ، وقال في تصريح صحفي إن مصر من أكثر الدول التي تؤثر فيه من بين عشرات الدول التي زارها ، وحينما تتاح له فرصة لزيارتها مجددا لن يتأخر في ذلك. بالإضافة إلى ذلك زارت وفود كثير من كوسوفا دول الربيع العربي ، كما استضافت كوسوفا مجموعة من شباب الثورة المصرية من التيارات السياسية المختلفة وعدد من الصحفيين والتقوا رئيس الدولة وريس الوزراء ، وكانت هناك جلسات لمناقشة تجربة الثورة المصرية وتجربة استقلال كوسوفا، وفي جميع المؤتمرات بكوسوفا نحرص على حضور مفكرين مصريين. كما زارنا في كوسوفا وفد من مجلس الشورى برئاسة الدكتور أحمد فهمي رئيس المجلس والتقى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان وكان لقاءا مثمرا . كما زارت الدكتورة باكينام الشرقاوي مساعد الرئيس المصري كوسوفا مرتين ، الأولى في مؤتمر عالمي والثانية في يوم 17 فبراير الماضي للمشاركة في الاحتفال باستقلال كوسوفا ، وصرحت حينها بأن مصر في طريقها للاعتراف بكوسوفا ، وهذا التصريح كان بمثابة الفرحة الثانية لشعب كوسوفا بعد فرحة الاستقلال. ومن الجانب الكوسوفي كانت هناك زيارة من وزير الثقافة ، ورئيس الأرشيف ، كما قام رئيس الوزراء الكوسوفي بزيارة لمصر قبل شهر بدعوة من الرئيس محمد مرسي وكان ضيفا له وتمت لقاءات بينهما.ومن المقرر عقد مؤتمر عن مقارنة الأديان بكوسوفا في مايو المقبل ، وسيحضره عدد من الرموز المصرية. * ما تحليلك لصعود التيارات الإسلامية في دول الربيع العربي ، وما أثر ذلك على دعم قضية كوسوفا باعتبارها دولة إسلامية؟ لم أشعر بهذا لأن الثورة تعني أن الشعب يحصل على الحرية والديموقراطية ، وكل شخص يقول كلمته ويقدم رأيه لمصلحة البلد ، وبالنسبة لكوسوفا، فقد التقيت بممثلين من كل التيارات والأحزاب السياسية و99 بالمائة منهم أيدوا استقلال كوسوفا ، وبعضهم قدموا طلبا رسميا للدولة يطلبون منها الاعتراف بكوسوفا، مثل حزب الوسط الذي قدم طلب إلى لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان لطلب الاعتراف بكوسوفا . وعامة الحكومة المصرية أخبرتنا أنها لا تمانع في الاعتراف بنا والدليل على ذلك تبادل الوفود بيننا، أما الشعب المصري فهو معترف بنا ضمنا ، لكننا ننتظر وثيقة الاعتراف الرسمي حتى نستطيع فتح سفارة و مراكز ثقافية وتبادل الأنشطة بشكل مباشر في المجالات السياسية والاقتصادية والسياحية والثقافية. وعموما القضية لا ترتبط بالدين الإسلامي فكوسوفا كانت دولة قبل صربيا ، ونحن أصل شعب البلقان ولكنا صربيا احتلتنا إلى أن حدث الاستقلال. * هل تعتقد أن قضية كوسوفا لا تأخذ الزخم الإعلامي؟ وما دوركم في الترويج لقضيتكم؟ نعم ، ولكننا نحاول من جانبنا استضافة الصحفيين في كل الفعاليات والندوات ، وفي احتفالاتنا القومية ، فقبل شهر عندما أقمنا احتفالا بعيد الاستقلال ، نظمنا احتفالية بمصر في فندق مريوط وحضرها أكثر من 250 شخصية منها رئيس مجلس الشورى أحمد فهمي ومندوبين من الوزارات وسفراء وصحفيين ومفكرين وساسة ومحافظين، كما ننظم ندوات مختلفة بمصر في المحافظات والجامعات ، فقد نظمنا العام الماضي ندوات ومعارض في 12 جامعة وقدمنا فيلما وثائقيا عن دولة كوسوفا. * ما تقييمك للدور الذي يمكن أن تقوم به مصر لكوسوفا ؟ وما مجالات التعاون التي تقترحوها؟ قبل مائتين عام كانت هناك ارتباطات تجارية بين كوسوفا أو ألبانيا ككل وبين مصر التي كانت المصدر الأول للتجارة ، وسافر العديد من التجار إليها واستقروا بها ورفضوا العودة إلى بلادهم ، منهم "عمر أفندي" الذي كان تاجرا من كوسوفا من محافظة بريزرن جاء الى مصر قبل مائة عام واستقر بها وأسس محلات عمر أفندي ، وفيما بعد باع اولاده المحلات ومن اشتراها حافظ على نفس الاسم ، وحفيده السفير محمد عثمان أرناؤوط الذي مازال يعيش في مصر ، غيره ممن يحملون أسماء "أرناؤوط" او "ألباني" في مصر ينتمون عرقيا إلى كوسوفا . فالتجارة مجال حيوي بيننا ينتظر التنشيط بعد اعتراف مصر بكوسوفا ، وكذلك نود انشاء غرف تجارية لتسهيل أمور المستثمرين ونشاط ترجمة الكتب ، إلى جانب مجال التعاون مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء. ولكننا ننتظر اعتراف مصر بنا لأنه يعني اعتراف العالم الإسلامي كله بنا ، وتأخر اعترافها يعين تأخر اعتراف دول كثيرة وراء مصر. وأريد الاشارة الى ان هناك بالفعل اتفاقيات تعاون مبرمة بين مصر وكوسوفا معظمها في المجال الثقافي ، كمرحلة أولى لدعم العلاقات الثنائية في مختلف المجالات الأخرى بين البلدين ، مثل اتفاقية التعاون بين دار الكتب والوثائق المصرية وبين أرشيف كوسوفا المبرمة عم 2004 ، واتفاقية التعاون بي وزارة الشباب والرياضة المصرية ونظيرتها في كوسوفا التي تم إبرامها عام 2004 ، وكذلك اتفاقية تعاون بين جامعة القاهرة وجامعة برشتينا وتم عقدها في نفس العام واتفاقية التعاون بين مكتبة الاسكندرية والمكتبة القومية والجامعية بكوسوفا التي تم ابرامها في 2005. * ما رأيك بالوضع السياسي في مصر؟ ارفض الإجابة عن هذا السؤال لأننا لا نتدخل في الشئون الداخلية لمصر. كلمنا عن وضع المرأة ودورها في كوسوفا لقد أخذت المرأة حقوقها كاملة بعد الاستقلال ، وهي ممثلة بنسبة 30% في البرلمان ، وهناك ناشطات في المجال السياسي من النساء الشابات في أعمار تتراوح بين 27 إلى 35 وفي الحكومة هناك أربعة وزارات ترأسها سيدات ، وهناك من تعمل بالتجارة أو تدير مشروعات صغيرة. والمرأة في كوسوفا عانت معاناة شديدة في عهد الاعتداءات الصربية وهناك من تم اغتصابهن وهناك أمهات قتل الصرب أولادهن بالسكين أمامها و تم طهي لحوم أولادها أمام عينها، ولكنها رغم ذلك تعاملت بتسامح مع نسبة الصرب الموجودة كأقلية في كوسوفا بنسبة 2% من الغير متورطين في اعمال قتل .