اعتاد الناس - في دول العالم الثالث ومنها مصر - على التعامل مع الاعلام بأشكاله المتعددة ، والحكم عليه، انطلاقاً من موقع هذا الاعلام ذاته قرباً وبعداً عن قضايا الناس وبالتالي قرباً وبعداً عن الحكومة المعنية في هذا البلد أو ذلك. وفي حين نجح الاعلام الرسمي في بعض دول العالم الثالث ، في الافلات من قبضة السلطة، وتبني القضايا العامة على نحو مشرف، سقط الاعلام الرسمي في البعض الآخر- عبر رموز بعينها، في وحل الاستماتة دفاعاً عن السلطة ومعاداة الشعب وقضاياه استعنت بداية بتلك القاعدة المعروفة، لتوصيف أهم الأمراض التي انتشرت وتشعبت في وسائل الاعلام الحكومية المصرية، وخاصة تلك التي باتت السلطة تعتمد عليها بالدرجة الأولى في تجميل وتسويق سياساتها المستمرة منذ أكثر من ربع قرن، وحقيقة لم تكن تلك السلطة لتستمر فيما هي فيه دون الاعتماد بشكل اساسي على ذلك النوع من الاعلام المشوه ، والتي تجاوزت أمراضه حدود المتعارف عليه في دول العالم الثالث، وفي حين تمكن الطاعون والسرطان الاعلامي فقط في بعض بلدان العالم الثالث، متمثلاً في تأليه الحاكم وصحبته، تجاوز الأمر حده لدينا في مصر، ليُصاب الاعلام الرسمي بما يشبه الإيدز، رافعاً بذلك درجة حرارة النفاق إلى أقصاها، ومنقضاً على شرفاء هذا الوطن - بمن فيهم القضاة - رافعاً راية الولاء لكل من يرتدي خوذة ويمسك بيده هراوة. اصاب الاعلام الحكومي المشوه والمريض مراكز التفكير لدى قطاعات واسعة من البسطاء، وخاصة من يعتقد منهم بأن ما تردده وسائل الاعلام الحكومية هو الصحيح، ليساهم بذلك في اصابة مراكز التفكير لدى الكثيرين بالضبابية والشلل ، مكرساً بذلك عن وعي كامل مدرسة الانتهازية والتسلق والرياء، وتجريف الارض اجتماعياً لصالح الطفيليات والطفيليين، في محاولة لخلق حالة قبول اجتماعي كامل للثقافة السائدة، المعتمدة بالدرجة الأولى على الرشوة والفساد والمحسوبية والفساد السياسي. يعتمد هذا النوع من الاعلاميين - وخاصة عبدالله كلام - على قاعدة " تفوت في الصحراء تخضر" ، وهي قاعدة لم يخترعها حكام العالم الثالث، بل استساغوها، وعمموها، باعتبارها القاعدة الأصلح، والنبراس الكامل لتوصيف طريقة ادراتهم للحكم بعد ان ساهم بعض غلمان الإعلام في ترسيخها منذ بدء الزمان . اعتادت السلطة في اطلاق يدها - في كثير من الاحيان - على شعراء البلاط، من أمثال عبدالله كلام، في تصوير السياسات المطلقة، والحكم الفردي على انه الديموقراطية في أحسن صورها ومعانيها، واستعانت بهؤلاء في محاولاتها الدائمة لتشويه الفكر الجمعي، وتطويعه لقبول كل شيء وأي شيء، ولم تكن السلطة - حقيقة - في حاجة لبذل كثير من الجهد للحصول على من يقبل القيام بتلك الأدوار، ووجدت ضالتها دوماً في الساعين والمتسلقين، بغض النظر عن الثمن، لذا لم يكن من المستغرب، المنشور القميء الذي خطه، أو وقعه باسمه عبدالله كلام في العدد الأخير، وقبل الأخير من روز اليوسف، ووقعه آخرون باسمائهم، بصياغات مختلفة، في بقية منشورات الداخلية. أصيب الاعلام الرسمي بالطاعون والسرطان، منذ أمد بعيد، لكنه لم يُصب بالايدز الاعلامي الا على يد النظام الحالي عبر بعض الغلمان المحدثين الصغار، الأمر الذي يُحسب لتلك المرحلة، فهي دلالة بلا شك، على المحاولات المستحيلة - لإبقاء الحال على ما هو عليه، وبرهان اكيد على انعدام الرؤية، وفقدان الاتجاه. حاولت السلطة ضرب القضاء، لمنع استقواء الشعب به، وكسر شوكة بقية فئات المجتمع الرافضة لاستمرار هذا الحكم، وحين فشلت، أطلقت أقلام مخبريها هنا وهناك، لتشويه الشرعية الوحيدة المتبقية بيد الشعب. وهي القضاء، لكن السلطة اصابت نفسها في مقتل، من حيث لا تدرى، حين اعتمدت في محاولاتها تلك على غلمان يفتقدون حتى للحد الأدنى من الذكاء في تسويق ما يسعون الى تسويقه من سياسات، مقدمين الدليل الأخير على الفشل الذريع حتى في اختيار المعاونين. حين ينتهي هذا الظلام الدامس، ويسترجع هذا الشعب بوصلته الحقيقية، لينفض عن البلاد ما أصابها من وهن، سينتهي كل هؤلاء الغلمان، سيهربون من حكم الناس ونظراتهم، بل وربما قد ينتهون أو يهربون قبل ذلك، وخاصة وان أهل الحكم لا يبقون على المحترقين من الغلمان، بعد ان يكونوا قد قدموا كل ما لديهم، وفقدوا ورقة التوت الأخيرة [email protected]