شهدت مصر العديد من مراحل التحول الديمقراطي والتي عبر فيها الشعب عن إرادته بصورة حرة نزيهة وإختار من يدير أمور البلاد عن قناعة فكرية ورضا سياسي. بيد أن هذا الأمر لم يلق قبولًا لدى بعض التيارات التي تحاول فرض ولايتها الفكرية وقوامتها السياسية عليه رافضة الاعتراف بالإرادة الشعبية ولجأت إلي محاولة إعادة تصنيع ثورة جديدة أو القفز من أعلى سور قصر الرئاسة للوصول إلى سدة الحكم بعيدًا عن أية ممارسة ديمقراطية تحترم إرادة الناخب بل واتجهت إلى رفض قواعد العملية السياسية بدعوات مقاطعة الحوار ورفض الانتخابات في وقت تحتاج فيه مصر إلى جهودها لتعزيز الممارسة الديقراطية وخلق معارضة إيجابية تسهم في إثراء الحياة الحزبية. وعندما أدركت تلك القوى عجزها عن تحقيق ذلك الهدف لجأت إلى حيلة خبيثة وهي محاولة الزج بجيش مصر العظيم في المستنقع السياسي لتوريطه في حرب بالوكالة نيابة عنها في معاركها مع النظام ولا يمكن لأي عاقل أو وطني أن يجادل في ذلك الدور التاريخي الذي قامت به تلك المؤسسة الوطنية في تأييدها للثورة والعبور بالبلاد إلى بر الأمان رغم كل التحديات الداخلية والخارجية التي اجتازتها المنطقة ويكفيها فخرًا وافتخارًا التزامها بتنفيذ مراحل التحول الديمقراطي كافة وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة في الميعاد الذي تعهدت به موجهة صفعة مدوية لكل من زايد على دورها التاريخي في تلك المرحلة العصيبة. إن تلك الأصوات التي تستغيث بها حاليًا متوسلة إليها هي ذاتها التي دنست ثوب الثورة الناصع البياض ولطخته بتلك الهتافات التي كالتها لتلك المؤسسة الشامخة وتركت جرحًا داميًا في قلوب كل المصريين الشرفاء فلم يشهد التاريخ على مدار عقوده أن تطاول أحد على درعه الواقي أو دعا لإسقاطه سوى تلك القلة التي اتخذت من تلك الشتائم نشيدًا لها وشعارًا يعبر عنها بل تجاوز البعض في طغيانه مطالبًا بمحاكمة من أداروا البلاد في تلك المرحلة الحرجة وشعب مصر براء من تلك الفئة التي تريد صدامًا بين الجيش والشرعية المنتخبة من خلال دعواتها التحريضية وما تبثه من شائعات مغرضة ويدرك جيدًا أن أول كلمة سوف تنطق بها أفواههم هي يسقط حكم العكسر حتى يأتي حكمهم قفزًا على أي إرادة شعبية. إن أولئك قد غاب عن وعيهم أن ولاء جيش مصر لشعبها وليس لفصيل بذاته وإن انحيازه لثورة 25 يناير كان لصالح الشعب ضد حكم الفرد وأن السلطة قد جاءت إليه رغمًا عن إرادته ولو أراد الاحتفاظ بها ما كان ليتركها ولا يمكن أن ينساق خلف من قادوا معارك الهجوم عليه عبر منصاتهم الإعلامية والذين يتباكون دمعًا لاستمالة مشاعره إذ كان من الأجدر بهم الاعتذار أولًا لتلك المؤسسة الشامخة وممارسة الديموقراطية الحقيقة بالتفاعل مع المواطن واستشعار مشاكله لإيجاد الحلول الفاعلة لها حتي تنال ثقته الانتخابية بدلًا من التفرغ لممارسة السياسة في الفضائيات وعلى الشرعية المنتخبة أن يتسع صدرها لأوجه النقد فهي التي سعت بإرادتها الحرة لتولي شئون البلاد وتحمل المسئولية في تلك المرحلة الحرجة وأن تبادر بتشخيص الآم الوطن واتخاذ الخطوات اللازمة لعلاجها لتفادي الاتهامات التي من شأنها إحداث المزيد من الانقسام وعدم الاستقرار لأن مصلحة مصر فوق كل تلك الصراعات في مجتمع يتعين أن تحكمه الديمقراطية ويتسيّده القانون بعيدًا عن ذلك التهاتر السياسي. رئيس بمحكمة الاستئناف