من الثابت أن معارضة النظام، لا "تؤكل" عيشا، لكل من أراد أن يمشي جنب الحيط، وغالبية المناضلين السياسيين الذين عارضوا الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم مصر، عاشوا ثم ماتوا فقراء، بل إن بعضهم وهم قلة اليوم أراهم يتعلقون بحافلات النقل العام القذرة والمتهالكة والمكتظة بما يفوق سعتها بعشرات المرات، ومنهم من ضرب في "باب الخلق" بوسط القاهرة القديمة مثل الزميل الأستاذ مجدي حسين رئيس تحرير صحيفة الشعب الأسبق في الثلث الأخير من تسعينيات القرن الماضي (العشرين) أثناء حملته التاريخية على فساد عائلة وزير داخلية سابق، ومنهم من اختطفته مليشيات مسلحة مجهولة من أمام بيته في شهر رمضان ثم تلقينه "علقة ساخنة" وتجريده تماما من ملابسه وتركه في صحراء السويس قبيل الفجر عاريا كيوم ولدته أمه، مثل الزميل الدكتور عبد الحليم قنديل، ومنهم من اختطف هو وزوجته رغم كبر سنه ومرضه بالسرطان مثل الراحل الكبير عبد الوهاب المسيري، والذي توفى بعد لم يجد في مصر من يعينه على العلاج لولا تدخل شخصية خليجية معروفة بالعمل الخيري، ليتكفل بنفقات علاجه خارج البلاد. تاريخ النضال السياسي في العالم، يؤكد على هذه الحقيقة: يموت المعارض الحقيقي ولا يأكل من المتاجرة ب"ثدي" الوطن. غير أنه في مصر هذه الأيام ظاهرة بالغة الغرابة، وهي "بزنس المعارضة" الذي يفتح على المعارضين "طاقة القدر" وينتقلون من العيش في عشش الإيواء والعشوائيات ليتفيأوا جنات تجري من تحتها أوراق البنكنوت والفلل والقصور الأسطورية! المدهش أن بعض الذين يشتمون الرئيس مبارك ونجله، هم ذاتهم الذين أثروا ثراء فاحشا في عهده.. بعدما دخلوا كبضاعة في سوق "الارتزاق الصحفي" وعرض أقلامهم للاستئجار لصالح سياسيين متنفذين أو رجال أعمال أو قوى إقليمية لها أحلام وأجندات للهيمنة السياسية والعسكرية والفكرية على المنطقة. اتباع سبيل المعارضة كان عندهم من قبيل "غسل الأموال"، وللنصب على الرأي العام، باستجداء ثقته فيهم باعتباره "معارضة".. وتحت مظلة هذه الثقة المنتزعة بالنصب والاحتيال، تجري عملية تمرير أجندات الممول ومن اشترى أقلامهم وضمائرهم ودفع لهم بسخاء يتجاوز قيمتهم المهنية والسياسية وبمراحل كبيرة. المبالغ التي تدفع لمثل هؤلاء، لا يمكن ان تكون مقابل "ابداع صحفي" سيما وأن في مصر قامات صحفية كبيرة مهمشة ومعزولة بسبب طهارة يدها واستعصائها على التغرير والتوريط للعمل ضد البلد مهما كانت حجم الأموال المعروضة عليهم. تخيلوا على سبيل المثال أن يدعى رئيس تحرير "متواضع الإمكانيات" ويعمل في خدمة ساويرس، لحضور مؤتمر في البحرين بصفته أحد قيادات الإعلام العربي فيما لا يدعى قامة كبيرة في حجم الأستاذ سلامة أحمد سلامة! الارتزاق بلغ حد أن يعمل أحد أكثر الأصوات الصحفية "الخاصة" ضجيجا وصخبا وهجاء لعائلة الرئيس لصالح قيادة سياسية كبيرة ضد جمال مبارك، بعد أن سمح له الأول باعادة اصدار جريدته التي اغلقت بسبب نشر تقرير مفخخ كان من شأنه اشعال الحرائق الطائفية في البلد.. ثم ينتقل للعمل لصالح "التنامي الشيعي" في المنطقة، وأخيرا ينتقل للانضمام لمجموعة ساويرس الإعلامية مقابل 60 ألف جنيه شهريا ثم يسدد الفواتير لولي نعمته، بتوظيف صحيفته للخدمة على الشغب الطائفي والمشروع الانعزالي للكنيسة القبطية في مصر! هذه واحدة من أخطر الظواهر التي ابتليت بها البلد مؤخرا، بعد السماح للمال الطفيلي والطائفي والشيعي، بالتحرك بسهولة بدون مراقبة أومسألة ليتصيد "التوافه" من محدودي الإمكانيات الصحفية وشراء ذممهم وتحويلهم إلى نجوم ومرجعيات وزعماء ثم تجنيدهم لاستهداف مصر في عقلها وحضارتها وهويتها وثقافتها العربية والإسلامية.. وربنا يستر. [email protected]