أراه تعسفا شديدا حصر الناس بين البرادعي والتوريث، فإن رفض أحدهم الأول، فهو إذاً من أنصار جمال مبارك! عندما نقول إن كثيرين في الداخل المصري لا يعرفون "البرادعي" فهذا منطقي عن رجل لعب ل12 عاما دور الشرطي النووي الدولي، وعاش بالفعل سنوات كثيرة خارج وطنه تقترب من ال27 عاما. إثارة أسئلة بشأن ما يثار حوله وشروطه التي تجعل العربة سابقة للحصان، مجرد محاولة لفك شفرة شخصية مرموقة دوليا غامضة محليا، ولا تعني بالضرورة رفضه رئيسا أو التشكيك فيه. فإذا سألت أغلبية البسطاء وربما أنصاف المتعلمين - وهؤلاء وهؤلاء يتجاوزون التسعين في المائة ممن يحوزون بطاقات إنتخابية - سيقولون إنهم شاهدوا مسلسلا تلفزيونيا قبل سنوات تظهر فيه شخصية البرادعي المتسلطة المخيفة، صارخا في خلق الله من قبيل زرع الرعب "أنا البرادعي"! هذا البرادعي التلفزيوني يظل حتى الآن أشهر من البرادعي الذي أصدر شروط فيينا لكي يتفضل بقبول رئاسة الجمهورية المصرية الغلبانة المسكينة التي تبحث عن من يتفضل بقبول وظيفة الرئيس! وسيستمر مولد سيدي البرادعي وقتا ليس بالقليل، كل يدلي بدلوه مؤيدا أو معارضا، بل سارعت الأحزاب المعارضة لترئيسه لها أو ترشيحه باسمها كأنه تحول لمرشح شعبي بالفعل، فها هي أحزاب الوفد والدستوري الحر والغد تمد أيديها له، كل منها يسعى لأن يلبسها خاتم الخطوبة! ويصل الأمر إلى اتهام للدكتور أيمن نور من ممدوح قناوي رئيس الحزب الدستوري الحر، بالاستغلال والانتهازية، لأنه خطب البرادعي لحزب الغد على خطبة أخيه في الليبرالية "الدستوري" وهو فعل مكروه سياسيا! يقيني أن الشعب لم يرشحه، ولو أعطى أصواته لبرنامج ما فلن يكون بناء على مطلب تعديل الدستور أو دعوة حماية الأقليات وبناء الدولة المدنية التي ترفع شعار الدين لله والوطن للجميع. في الواقع سيقول "نعمين" لمن يوفر له قطعة الخبز وحبة الفول المدمس والفلافل، ودواء الصداع، وحقنا في متناول امكانياته ضد الفيروس الذي ينهش أكباده، والبلهارسيا التي جعلت معظم ساكني المحروسة لحما تحت العظم! إذا كان الصحفيون ينتخبون نقيبهم بناء على موافقة الحكومة له على زيادة بدل التكنولوجيا الذي قد يكون 70 أو 80 جنيها، وهو ما يسميه البعض "رشوة إنتخابية" تتكرر كل سنتين، فماذا إذا واجه البرادعي منافسا يملك تقديم "البدل" للشعب، وبالطبع سيكون بدل فقر وليس تكنولوجيا. طبيعي أنه سيكسب الأصوات ويحلف اليمين الدستورية، خصوصا إذا زاد البدل وأوصله لما وعد به مكرم محمد أحمد الصحفيين، أي ما يقرب من 700 جنيه، وهي حسبة تزيد قليلا عن مائة دولار أمريكي! يكسب مرشح الحكومة إذا كان هو من عرض البدل، حتى لو تشجع "البرادعي" مثلا ووعد هو الآخر ببدل مضاعف في حال انتخابه، فالمصريون بطبعهم يثقون في الميري ويعشقونه ويتمرغون في ترابه، و"اللي يعرفوه أحسن من اللي ما يعرفهوش"! نهايته.. أريد القول إن إنتخاب رئيس مصر لا يتوقف على الشهرة الدولية فقط لشخص مثل البرادعي، ولا على من هو أكثر شهرة محليا مثل عمرو موسى، وعلى وعود الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ورفع قانون الطوارئ. في بلد يعيش أكثره تحت مستوى الفقر، سينظر إلى شروط البرادعي وأمانيه على أنها ترف أو "جلابية واسعة" على الشعب المصري. وحتى لو تحققت كل هذه الشروط.. رقابة دولية واشراف قضائي ونزاهة، فسيفوز من في يده سيف المعزل وذهبه، أي المعتقلات و"البدل"! أنا هنا لا أعيب الشعب المصري، فهو ليس مسئولا عن ظروفه "الزفت" ولا أمراضه المتفشية ولا عن تربيته الديمقراطية المعدومة أو نظرته للرئيس بأنه رب العائلة الذي يجب احترامه وتقديسه حتى إذا خرج عن واجباته وخالف الدستور! ما الحل إذا كنت أغلق كل أبواب الديمقراطية.. هل تبقى السلطة في صاحب "البدل" يتوارثها ابنا عن أب إلى أن يتطور الشعب؟! الحل في يد الله وحده. ملحوظة: هذا الرأي لن يغيره إذا اعطى الصحفيون أصواتهم لضياء رشوان وتجاهلوا بدل مكرم محمد أحمد!