الدعوة للتشيع هي دعوة فكرية، و لا يكفي في مقاومة الأفكار(أي أفكار) حصارها ومنع تداولها أو بحظرها عن طريق وضع حوائل بين دعاتها وبين الناس، بل لابد من مقاومة الأفكار بالأفكار، صحيح أن الحظر قد يكون أحيانا ضرورة، وأعني في أوقات الاستضعاف، لكنه في النهاية لا يكفي وحده؛ لأن إطالة مدة الحظر تجعله يتهاوى ويسقط، أما مقاومة الفكر الفاسد بالفكر الصحيح، ففيه عمقا وقوة في المقاومة تؤدى إلى الإجهاز على ما فسد واستبداله بما صلح . ويمكن أن أضرب مثالا تطبيقيا على تلك الفكرة(أي مقاومة الفكر بالفكر) في مسألة التشيع، فالسعودية تقيم علاقات سياسية قوية مع إيران، و لإيران سفارة وسفير في الرياض، و تسمح السعودية للإيرانيين بارتياد ما يزعمون أنها مزارات شيعية بل وممارسة طقوسهم عندها، وتسمح أيضا للمعتمرين الشيعة من كل أنحاء الأرض بدخول أراضيها على مدار العام، ناهيك عن وجود شيعة يحملون الجنسية السعودية ولهم الحق في افتتاح ما تسمى ب (الحسينيات)، وعندما زار أحمدي نجاد المملكة، فُتحَت له الكعبة واصطحبه الملك داخلها، ورغم ذلك كله، وبفضل من الله، ثم بفضل الدعوة إلى الله ومقاومة الأفكار الفاسدة بالأفكار الصالحة، لا نجد أثرا لنشر التشييع في السعودية. أما في مصر، وعلى الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران منذ عام 1977م ،أي لمدة ثلاثة عقود متتالية، وعلى الرغم من المعاداة الشديدة من النظام البائد للنظام الإيراني، وغلق كل الأبواب في وجه الإيرانيين، وحظر التعامل معهم على الدوام، بل والسماح بوجود مساحة كبيرة من الحرية في مهاجمة الشيعة والنقمة عليهم – لكن دون خطة ولا رؤية واقعية - على الرغم من ذلك كله، تسرب التشيع لبعض المصريين في عهد ذلك النظام البائد، وشعرنا لأول مرة بحركة للمتشيعين في مصر ! نستنتج من ذلك كله، أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وأن الدعوة للفساد لا يواجهها إلا الدعوة للصلاح والإصلاح، وأن الأصل أن يكون لأهل السنة مشروعهم المتكامل الخاص بهم للتصدي لمحاولات التشيع، وفي ظل الواقع الحالي أرى ضرورة تبني الأزهر – منارة أهل السنة – بالتعاون مع الجماعات الإسلامية العاملة في مجال الدعوة مشروعا سنيا واضحا في هذه المسألة، ويجتهد الجميع في الاتفاق عليه، مع الحذر من أن ينعكس حال أهل السنة الراهن على ذلك المشروع؛ فيتفرق المجتمعون على المشروع ويختلفون، ومثل هذا المشروع لابد أن تُحسب حساباته جيدا حتى لا ينخرط هذا المشروع في دائرة صراع مذهبي،أو يُستغل ويوجه وجهة سياسية تفيد المشروع الصهيوني الأمريكي في النهاية عن غير عمد. هذا كله على المستوى العقائدي. أما على المستوى السياسي، فأبدأ فيه من تبيان نوع من الممارسة السياسية تسمى سياسة الخطوط المتوازية، حيث إن أمريكا وإيران حاليا يجيدان تلك السياسية حاليا. وتسمح هذه السياسة بأن يلتقى الأعداء في بعض الملفات ويتعاركون في ملفات أخرى، بشرط التوازي، يعني بشرط عدم تقاطع الملفات نهائيا، وتلك هي سياسة أمريكا حاليا في مصر، حيث تسير مع النظام المصري الجديد في ثلاثة خطوط متوازية – ولذكرها موضع آخر - وتلك هي سياسية كل من إيران وأمريكا في التعامل مع بعضهما البعض، فيختلفان في الملف النووي و في ملف لبنان، ويتفقان في ملفات العراق وأفغانستان. والمتتبع لسياسة حركة حماس مع إيران، يجد أن حماس ورغم حالة الضعف الشديدة التي كانت تمر بها حينما بدأت مرحلة المقاومة المسلحة للاحتلال الصهيوني، يجدها قد مارست نفس السياسة (أي الخطوط المتوازية) مع إيران؛ فقد عرفتُ من بعض زملائنا في العمل من الفلسطينيين أثناء تواجدي في السعودية، أن القائد الحمساوي خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وأحد طلاب الشيخ عبد الرحمن البرّاك، الشيخ الشهيد نزار ريان - رحمه الله – عرفتُ أنه كان مسؤولا عن ملف مقاومة التشيع في غزة، وذلك في الوقت الذي كانت فيه حماس تتعامل وتتعاون سياسيا مع إيران، وكان المسجد الذي يديره الشيخ نزار (مسجد الخلفاء الراشدين) حجر عثرة في وجه التشيع في غزة، وكان طلابه رغم تواجد بعضعهم في كتائب عز الدين القسام، كانوا لا يكفون عن الحركة بالدعوة بين الناس في محاولات لتوعيتهم بخطر التشييع، ولقد رفض الشيخ نزار ذات مرة إجراء مقابلة مع قناة المنار التابعة للشيعة في لبنان، وكثيرا ما كانت إيران تشتكي لقادة حماس السياسيين من الشيخ نزار وطلابه ومن مهاجمتهم لها على المنابر، وكان رد هؤلاء القادة على الإيرانيين، أن أفراد الحركة يتمتعون بقدر كبير من حرية الرأي، ولا يمكن اللجوء لكتم الآراء وكبتها داخل الحركة. لقد أدار الشيخ نزار ريان كقائد دعوي ذلك الملف باقتدار، والحقيقة أنه رحمه الله لم يكن وحده من بين قادة حماس الذي تصدى لمواجهة التشييع؛ بل كان ذلك سلوك كل من: الدكتور سعيد عاشور - الأستاذ بالجامعة الإسلامية - ومروان أبو رأس - رئيس رابطة علماء فلسطين - وأيضا ماهر الحولي - رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية -، وهذا كله يحدث في ذات الوقت الذي تدير فيه القيادات العسكرية والسياسية الحمساوية ملف الاستفادة من خبرات إيران العسكرية والسياسية باقتدار، بحيث يكون ثمن التعاون والاستفادة من إيران ثمنا سياسيا فقط وليس ثمنا مجتمعيا يؤدي لنشر التشييع. وحاليا وبعد استشهاد الشيخ نزار، فلعل مَنْ حل محله في متابعة ذلك الملف هو الشيخ الدكتور صالح الرقيب، وكيل وزارة الأوقاف بحكومة هنية، وصاحب كتاب (الوشيعة في كشف كفريات وشنائع الشيعة). وعلينا نحن الآن في مصر أن نقدر الأمر حق التقدير، ثم نعطي قولا فصلا في تحديد الموقف من إقامة علاقات مع إيران؛ وذلك من خلال الإجابة على السؤال الآتي: هل يمكن لمصر الآن أن تسير بسياسة الخطوط المتوازية، أم لا ؟ أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]