كشفت محاولة الحرس "الجمهوري!!!" التابع ل"فخامة!! الرئيس ... عباس" في معبر رفح ، إلصاق تهمة ما أسموه ب"تهريب الأموال" بالمتحدث الرسمي باسم حركة حماس "سامي أبو زهري" ، عن عمق المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني . فعباس الذي يفترض فيه أن يقود المركب الفلسطيني لبر الأمان ، نراه اليوم يبذل كل ما في وسعه لتجريد حكومة حماس من اختصاصاتها التي نص عليها القانون ، بما في ذلك الإشراف على الأجهزة الأمنية . فلم يكتف عباس بقيام رجاله في معبر رفح بالتحقيق مع "أبو زهري" ، بل طلب من النائب العام التحقيق معه بدعوى أن ما قام به يقع تحت طائلة "التهريب" التي يعاقب عليها القانون ، ما دفع بالآلاف من الفلسطينيين إلى التظاهر في شوارع غزة ومدن القطاع بعد صلاة الجمعة 19 مايو الجاري ، احتجاجاً على هذا الموقف الذي أقل ما يوصف به أنه "فاجر وقميء" ، ويعبر بصدق عن المثل الشعبي القائل "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" . والواقع أن هذا الموقف لم يكن مستغرباً ، فمنذ اللحظة التي فازت فيها حماس في الانتخابات التشريعية ، أبدى نفر من قادة فتح "المستحدثين" رفضاً وتحدياً شديدين للحكومة الجديدة .. يؤازرهم في ذلك زعيمهم الروحي عباس . فقد أعلنوا – فور فوز حماس في الانتخابات - أن حركة فتح لن تسمح لوزير الداخلية الجديد بتولي مقاليد الأمور في المؤسسات الأمنية التي يدّعون تبعيتها للجهاز الرئاسي ، كما لن يسمحوا بالمساس باتفاق أوسلو وتوابعه ، وكذلك خريطة الطريق التي اقترحها الرئيس الأمريكي بوش لحل القضية الفلسطينية . وهذا يعني أن هؤلاء يدعون صراحة لتشكيل سلطة موازية لحكومة حماس ، بهدف سلب جميع اختصاصاتها الأمنية وغير الأمنية التي نص عليها القانون ، ما سوف يؤدي حتماً لإفشالها وإظهارها ورئيسها بمظهر "خيال المآتة" ، وهو جلّ ما تود أمريكا وإسرائيل أن تراه ، حتى لو اعترفت حكومة حماس بالكيان العبري ، ووافقت على كل ما وقّعت عليها حكومات السلطة الفلسطينية السابقة ، وذلك لأسباب عقائدية نعرفها جميعاً . لكن يبدوا أن هذه الحفنة من قادة فتح وعلى رأسها عباس ، قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء . فمنذ أيام قليلة ، قام نفر من المسلحين باغتيال عناصر من حماس وغيرها بهدف تكريس الانفلات الأمني الذي تحرص - على ما يبدو - جهات مشبوهة على استمراره في الشارع الفلسطيني ، ما دفع بوزير الداخلية "سعيد صيام" إلى نشر القوة الأمنية الخاصة التي شكلتها وزارة الداخلية في جميع أنحاء القطاع ، بهدف تفويت الفرصة على هؤلاء في إشاعة الخوف والقلق في الشارع الفلسطيني ، وحفاظاً على أمن المواطنين وممتلكاتهم . ورداً على هذا الإجراء ، أمر عباس أعداداً من حرسه الخاص ومن رجال الأمن والشرطة العسكرية للانتشار في شوارع مدن القطاع وقراه ، كما أمرهم بمنع أي قوة تحاول القيام بمهامهم في حفظ الأمن في الشارع الفلسطيني (في إشارة للقوة الأمنية لحماس) ، ما يعني وضع القطاع على حافة حرب أهلية ، تكون حركتا فتح وحماس والشعب الفلسطيني وقوداً لها ، وهذا يعتبر قمة ما تسعى واشنطن وإسرائيل لحدوثه . والسؤال الذي يحضرنا الآن : أين كانت هذه الألوف من عناصر الشرطة والحرس الرئاسي الخاص ، حين كان الانفلات الأمني – على أيدي فئات من حركة فتح التي يتزعمها عباس ومريدوه من قادة الحركة المحدثين – على أشده ؟!!! . ألا يعني هذا الموقف أن عباس وزمرته ، قد ساءهم أن يروا حكومة حماس وهي تتخذ إجراء حاسماً للقضاء على هذا الانفلات الأمني ؟!!. لا نريد هنا أن نخوض في الأسباب ، فهي معروفة للقاصي والداني . فالذي يهمنا أن الرجل الذي يريد عباس من النائب العام أن يحقق معه ، كان عائداً للوطن من رحلة في عدد من البلدان العربية الشقيقة بهدف جمع بعض التبرعات ، ليسد بها حاجة أسر الشهداء والأسرى الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية ، وهي مبالغ لا تزيد عن 600 ألف يورو . لكن حرس عباس "الأشاوس" الذين ولاّهم مراقبة المعابر ، ساءهم أن يروا رجلاً من حماس وهو يقوم بهذه المهمة الجليلة ، متخطياً بذلك الحصار الذي ضربته أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون وإسرائيل على الشعب الفلسطيني .. عقاباً له على اختياره الديمقراطي الذي جاء بحماس لتسلم السلطة على حساب الحكومة السابقة التي كانت تتشكل من بعض قيادات فتح . والواقع أنه ليس من الصواب في شيء الاستمرار في السكوت على تصرفات هؤلاء ال ... ، فقد آن الأوان أن يُحسم الأمر قبل أن يتمادوا في غيهم ، فيستفحل الفساد ويستشري أكثر مما هو عليه .. فيوردون بأهلنا وذوينا وقضيتنا لمهاوي التردي أكثر مما أوصلونا إليه . وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ما يحدث من عباس وتلك الزمرة العابثة من بعض قيادات فتح المستحدثة ، لا ترضى به الغالبية العظمى من عناصر فتح الشريفة المخضرمة منها والشابة ، فلقد كان لهذه الحركة وما زال وسيبقى ، شرف انطلاق النضال الفلسطيني بكل أبعاده ضد العدو الصهيوني ، كما كان شهداؤها هم السباقون في بذل أرواحهم من أجل وطنهم قبل غيرهم .. ولا نشك لحظة واحدة بأن هذه الأغلبية سوف تقف مع حماس يدا بيد في تطهير السلطة الفلسطينية من المفسدين والفساد الذي استشرى في أوصالها . والواقع أنه ليس من الصواب في شيء ، أن يكون هناك كيان فلسطيني "برأسين" يتصارعان على الاختصاصات ، فلا بد من حسم هذا الوضع . ولست أهدف بذلك دعوة حماس لاستخدام القوة في حل هذا النزاع ، وإنما أدعو رئيس الحكومة "هنيه" للتوقف عن القول بان عباس رجل يُحسب له الفضل في أنه وافق على إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها ، (وإنه .. وإنه ) ... لأنه لم يكن في ذلك سيد قراره , كما أدعوه للشروع فوراً في تحقيق المطالب التي من أجلها اختار الشعب الفلسطيني حماس ، وأولها كنس الفساد المستشري في السلطة أينما كان موقعه ، والتعامل مع الدول العربية وفقاً لمواقفها من قضية الحصار المفروض على الفلسطينيين ، وعدم الرضوخ للمطالب الأمريكية والأوروبية وبخاصة الاعتراف بالكيان العبري الذي سرق أرضنا وقتل أطفالنا ودمر قرانا ومدننا وبيوتنا ، فضلاً عن ضرورة التمسك بكل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة . فإذا ما تيقّنتم من أن الفجور لدى من ارتضوا المشاركة في جريمة الحصار المفروض على شعبنا أيا كانوا .. قد بلغ أشدّه ، حلّ لكم أن تهدموا المعبد على رؤوس من فيه .. وأن تقوموا والشعب وشرفاء فتح وغيرهم كثيرون من ورائكم بانتفاضة ثالثة يكون هدفها : كنس الفساد إلى الأبد ، وإعادة القضية الفلسطينية إلى جذورها . وثقوا أنكم والشعب الفلسطيني في نضالكم هذا لن تكونوا أكثر المتضررين ، وإنما أمريكا وأوروبا ومن والاهما سيكونون من أكبر الخاسرين ، كما لن ينعم يهود إسرائيل بالسلام الذي طالما تمسحوا به وهم لا يرغبون . كاتب وباحث فلسطيني [email protected] ***