جاء كيري.. اجتمع كيري.. رحل كيري.. وظلت مصر قبل وبعد وأثناء «تشريف» مبعوث العناية الأمريكية الأخ جون كيري «تغلي» على سطح من صفيح ساخن. لا حضور «كيري» أطفأ نيران المظاهرات.. ولا اجتماعات «كيري» أعادت المقاطعين إلى حظيرة الانتخابات.. ولا رحيل «كيري» رفع أسهم الإخوان. قبل الزيارة الأمريكية الميمونة للمحروسة، لخص الكاتب الأمريكي الأشهر توماس فريدمان هدفها في «رسالتين» يحملهما وزير الخارجية الأمريكي: الرسالة الأولى مطالبة أمريكا لمؤسسة الرئاسة بتشكيل حكومة وحدة وطنية. الرسالة الثانية تطالب المعارضة، ممثلة في جبهة الإنقاذ بضرورة المشاركة في الانتخابات. كان ذلك قبل زيارة المبعوث الأمريكي رحمة بالمصريين.. أما بعدها فقد أعلن كيري في البيان الرسمي الذي أصدره أنه تحدث ب«عمق» عن الحاجة إلى ضمان أن تكون هذه الانتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وأنه ناقش «ضرورة» إصلاح قطاع الشرطة وحماية المنظمات غير الحكومية، وحريات جميع المصريين أمام القانون، ومن جميع الأديان. وأنه شجع الرئيس مرسي على تنفيذ إصلاحات محلية من شأنها أن تساعد مصر في التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وهنا نأتي لمربط الفرس، «تشجيع» الرئيس على الإصلاحات المحلية.. وطبعًا يتضمن ذلك تنفيذ طلبات صندوق «النكد الدوري» الذي قذفتنا الظروف في أحضانه المليئة بالأشواك، ومنها زيادة خفض سعر صرف «الجنيه» - المتمرمغ أمام كل عملات العالم أصلًا – ورفع أسعار الخدمات والمحروقات والطاقة والرسوم والمكوس والضرائب. وهو «تشجيع» سيفتح على حكومة الإخوان أبواب الجحيم، ليس لأن الأمريكان «يحفرون» للإخوان، أبدًا.. أبدًا.. حاشا وكلا، ولكن لأن حلول الأمريكان مثل علاج «صندوق النكد» جامدة ومعلبة، وموحدة، لا تضع في اعتبارها الفروق بين المرضى، أو السمات الخاصة للدول، وأن ما يصلح مع إيران أو أفغانستان أو السودان لا يصلح بالضرورة لمصر.. كذلك فإن جرعة العلاج التي «يتجرعها» شعب اليونان الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، لا تصلح بالطبع للمصريين. ولا أعتقد أن السيد كيري مقتنع أن ال 190 مليون دولار «عُمي»، والتي اعترض الكونجرس على تعهد كيري بمنحها لمصر، تكفي «لتشجيع» الرئيس مرسي على القفز في بحر الإصلاحات المتلاطم، والخروج من «لجته» فائزًا. لا شك أن اقتصادنا بحاجة ماسة إلى «روشتة» إصلاحات لكن «الطبيب» ينبغي أن يكون مصرياً، يفهم طبيعة المصريين وكيفية مداواة آلامهم، أما «الوصفة» الجاهزة للكابتن «كيري»، وصندوق «نكده الدوري»، فربما تقتل الفيروس، وتفتك بالداء،.. لكنها قد تقتل المريض أيضًا!! بعيدًا عن الاقتصاد، الذي تنطبق عليه مقولة «أهل مكة أدرى بشعابها»، فإن مبعوث العناية الأمريكية لإنقاذ جماعة الإخوان السيد جون كيري قال حرفيًا: «لست أزور مصر للتدخل في شؤونها الداخلية، ولا نمثل حلقة ضغط على الحكومة، وإذا كنا نسعى لتحقيق وجهة نظرنا الخاصة بشأن الأوضاع في مصر، فذلك بالتأكيد لتحقيق الديمقراطية». .. فإذا لم يكن طلب إصلاح الاقتصاد.. وإعادة هيكلة الشرطة.. وإشراك المعارضة في الانتخابات.. ومقابلة زعماء الأحزاب.. وإعلان الدعم المالي الهزيل للحكومة.. تدخلًا في الشأن الداخلي فما هو من وجهة النظر الأمريكية «التدخل في الشأن الداخلي»؟! بصراحة وخلال الخمسين عامًا الأخيرة لم يسجل التاريخ تدخلًا أمريكيًا خارجيًا واحدًا ناجحًا من أفغانستان إلى لبنان.. ومن إيران إلى السودان.. ومن تونس إلى ليبيا.. «فالجماعة» - أقصد الأمريكان – تاريخيًا المتغطي بيهم عريان! وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected] twitter@hossamfathy66