أخطر ما تتعرض له ثورة يناير، عملية تشويه منظمة تتم بشكل احترافى، وبموجبها يتم طمْس الحقائق، وتشويه الوقائع، والتلاعب فى سرد الأحداث، بشكل قد تجد معه بعد سنوات تاريخًا مسخًا، يصنع بطولات زائفة للبعض، ويخفى دورَ آخرين، كما حدث فى ثورة 1952. الأخطر مِن ذلك، عملية صناعة النجوم التى تُنفذها الميديا بكافة وسائِلها، وعبر بوصلة بعينها تدفع بعض الوجوه للمقدمة، ويتوارى فى الخلف مَن هم أحقٌ، ما يؤكد حاجة هذا البلد لنخبة جديدة، ورموز وطنية غير مستقطبة، وأقلام حرة تكتب بضميرها، لا بالدولار واليورو هذه الثورة تحتاج إلى تأريخٍ، وتوثيقٍ جادٍ، قبل أن تختطف وتزوّر سيرتها، ونفاجأ فى مناهج 2020 أن خالد يوسف كان مُفجرَ الثورة، وأن "البوب" كان رائدها، وأن إلهام شاهين كانت مِن الثوار. باللهِ عليكم.. أتمنى أن يموت واحدٌ فقط من النخبة دِفاعًا عن الثورة.. واحدٌ فقط لوجه الله، أفعالهم لا تخرج عن "صرَّح، قالَ، أضافَ، أشارَ، حذّرَ، طالبَ، دعا"، وإذا انتفخت أوداجه، سارع بقوة إلى الكيبورد، مُخْرِجًََا سلاحَ "الماوس"، أو إلى هاتفه المحمول ليخاطب الشعب المصرىّ عبر تدوينة على الفيس وتويتر. ثورة يناير التى أنعشت مهن الهتيفة والثورجية، أنتجت عددًا من المهن على رأسها قاذف الطوب، وحامل المولوتوف، والملثم، والبلاك بلوك، كما قدمت للساحة مهنًا جديدًة مِن نوعها، على رأسها "ناشط" وهى مهنة مَن لا مهنة له، وأغلبهم عاطلون عن العمل، لكن بعض التصريحات والهتافات كفيلة بأن تجعل أى مواطنٍ "ناشطًا"، ومتحدثًا إعلاميًا، ومنسقًا، وقياديًا بالمرة. أما المهنة الأكثر رواجًا، والتى تُعبِّر عن الحال الذى وصلت إليه النخبة، فهى مهنة "مدون تويتات"، والتى حقق من خلالها الدكتور محمد البرادعى رقمًا قياسيًا فى عدد التدوينات على تويتر، والتى يعقبها حالة استنفار فى وسائِل الإعلام التى تنقل تدوينته، تحت أفعال "صرَّحَ، حذَّر، طالبَ". مهنة "مدون تويتات" صارت مهنة الناشط حازم عبد العظيم، والسيناريست بلال فضل، ونوارة نجم، وغيرهم من النشطاء والرموز التى تختبئ خلف جدران الفيس والتويتر، مهدرة ملايين الساعات دون عائد حقيقى على هذا الوطن، أو مليونية واحدة للعمل. ألا تتفقون معى أنه على مدار عامين منذ ثورة يناير، لم تنظم مليونية واحدة وناجحة للعمل والإنتاج، بدلاً من الرغى والثرثرة، وكتابة التويتات، والتشيير، وخوض معترك المزرعة السعيدة. أنا أتوّت.. إذن أنا موجود، هذا شعار "نخبة" تتهيأ لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية فى كتابة عدد التويتات والتدوينات، وهو ما رفع حصيلة تويتر من مليار إلى أكثر من خمسة مليارات من التويتات خلال شهور، 50% منها بحسب إحصاءات رسمية تأتى من "النخبة" والذين يندرجون تحت أقسام: الإعلام، المشاهير، المنظمات والمدونين، وبقية ال 50% تأتى من بقية المستخدمين العاديين، هذا بالإضافة إلى 14 مليون مصرى أعضاء فى فيس بوك، بما يعادل خمس المستخدمين فى قارة أفريقيا. حقًا لدينا نخبة ولا مؤاخذة.. لم يمت واحد منها قط فى الثورة، ما يرسخ إيمانى بأن هذا الوطن فى حاجة إلى نخبة جديدة، تناضل بشرف ونزاهة دفاعًا عن مصالح هذا الشعب بعيدًا عن التويتات.