أعلن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن تغيير نهج عمل مجلس النواب والحكومة الأردنية سيكون الدور الأساسي على طريق التحول الديمقراطي والإصلاح الشامل في المملكة. وأضاف الملك عبد الله الثاني في الورقة النقاشية الثالثة له لعرض رؤيته لمسيرة الإصلاح الشامل في الأردن في مختلف المجالات" إننا نريد الوصول إلى استقرار نيابي وحكومي يتيح العمل في مناخ إيجابي لأربع سنوات كاملة طالما ظلت الحكومة الأردنية تحظى بثقة مجلس النواب، وطالما حافظ المجلس على ثقة الشعب". وأكد الملك عبد الله الثاني في الورقة التي وزعها الديوان الملكي الهاشمي اليوم "السبت" أن الديمقراطية هي النظام الأقدر من أي نظام آخر على مواجهة مختلف التحديات حين يكون لكل مواطن ومواطنة صوت يشارك به ودور يقوم به. وقال: "إن تطبيق نهج الحكومات البرلمانية، كما هو التحول الديمقراطي في جوهره، يشكل عملية تراكمية مفتوحة على التطوير المستمر، الأمر الذي يتطلب وعي الجميع للأدوار التي تنتظرنا في بناء المستقبل كشركاء في هذه العملية". وأكد أهمية الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في الثالث والعشرين من يناير الماضي، معتبرا أنها مؤشر على طريق الإصلاح والتغيير الذي اختطه الأردن ، مشيرا إلى أنها أجريت في أجواء تسودها الديمقراطية والشفافية الأمر الذي أهلها لأن تحظى بإشادة محلية وعربية ودولية غير مسبوقة ، حيث تجاوزت نسبة التسجيل للانتخاب 70% وقاربت نسبة الاقتراع 57\%، وهي من أعلى النسب في تاريخ المملكة وعلى مستوى العالم. وقال "إن أهمية الانتخابات النيابية الأخيرة تجلت أيضا في العدد غير المسبوق للمرشحين، حيث شارك ما نسبته 80% من الأحزاب السياسية، كما أن 61% من الفائزين في الانتخابات، يصلون لمجلس النواب للمرّة الأولى وهذا يدل على قدرة الوطن على تجديد نخبه السياسية" ، مشيرا إلى أن هذه الانتخابات التي تمت إدارتها والإشراف عليها، لأول مرة، من قبل هيئة مستقلة ومراقبين محليين ودوليين، قد أنتجت مجلس نواب أكثر تمثيلا. وأضاف: "إن الكتل النيابية المعبرة عن جميع توجهات الأطياف السياسية قد تشكلت وهي تمثل أحزابا وطنية وإسلامية وقومية ويسارية، إضافة إلى الحراكات الشعبية ومجموعات الناشطين السياسيين، مشيرا إلى انتخاب 18 سيدة في مجلس الأردني السابع من بينهن 3 سيدات فزن بالانتخابات إحداهن ترأست قائمة وطنية، واثنتان عن دوائر فردية بالتنافس، إضافة إلى 15 سيدة يصلن لمجلس النواب بفضل نظام "الكوتا". وقال العاهل الأردني: "إن الوصول إلى حكومات برلمانية فاعلة يتطلب وجود أحزاب ذات قواعد ممتدة على مستوى الوطن وبرامج قوية وتعتمد على إطار عمل يقوم على قيم ديمقراطية وطنية يتم تجسيدها كثقافة ديمقراطية في المؤسسات العامة والحياة السياسية". وأضاف الملك أن التحدي الحقيقي الذي يواجه جميع الأردنيين والأردنيات وجميع مكونات نظامنا السياسي، هو تجذير هذه الثقافة الديمقراطية. وتابع العاهل الأردني بالقول: "إننا في الأردن نعي في قرارة أنفسنا القيم الضرورية لإنجاز التحول الديمقراطي وإرساء نهج الحكومات البرلمانية وفي مقدمة هذه القيم وأكثرها أهمية التعددية والتسامح وسيادة القانون وتعزيز مبادئ الفصل والتوازن بين السلطات، إضافة إلى حماية الحقوق الراسخة لجميع المواطنين والمواطنات، وتأمين كل طيف يعبر عن رأي سياسي بفرصة عادلة للتنافس عبر صناديق الاقتراع"، مشيرا إلى أن هذه القيم في غاية الأهمية للتأكد من أنه سيتم الحفاظ على التوازن بين احترام إرادة الأغلبية السياسية وحماية حقوق الأقلية وسائر المجتمع في كل محطة من محطات التطور التي سنمر بها. وأكد أهمية الاستمرار في تطوير النظام الانتخابي في الأردن عبر القنوات الدستورية، وصولا إلى نظام أكثر عدالة وتمثيلا، يحمي التعددية ويغنيها، ويوفر فرصة عادلة للتنافس، ويشكل حافزا لتطور الحكومات البرلمانية على أسس حزبية. وقال: "إن مفهوم الحكومة البرلمانية، في حده الأدنى، يتمثل في ترتيب العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وأن تكون السلطة التنفيذية خاضعة لمساءلة الأغلبية النيابية من خلال آلية منح الثقة أو حجبها وهذا ما ينص عليه الدستور الأردني". وأضاف: "إن أبرز التطورات التي أنجزناها في هذا الشأن من خلال التعديلات الدستورية الأخيرة تطوير آلية منح الثقة، حيث يتوجب الآن على الوزارة المؤلّفة ضرورة إيجاد أغلبية نيابية للحصول على الثقة في شخص الرئيس والوزراء وبيانها الوزاري، بدلا من الممارسة السابقة، والتي كانت تتطلب حجب الثقة عن الحكومة المؤلفة بأغلبية نيابية". وأشار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى أن تعميق نهج الحكومات البرلمانية سيتدرج وفق تقدم العمل الحزبي والبرلماني وعلى عدد من الدورات البرلمانية، موضحا أن هذا النهج سيتدرج بإدخال آلية للتشاور المسبق مع مجلس النواب للتوافق على تكليف رئيس للوزراء، والذي بدوره يتشاور مع مجلس النواب على تشكيل فريقه، وعلى البيان الوزاري الذي يشكل برنامج عمل الحكومة. وقال الملك عبد الله الثاني "أنه في الممارسات العالمية المتفاوتة للحكومات البرلمانية، من الممكن أن يكون رئيس الوزراء المكلف وفريقه من داخل مجلس النواب، أو من خارجه أو مزيجا من الاثنين معا"، مشيرا إلى أن الممارسة السياسية في الحكومات البرلمانية المتعارف عليها عالميا تسمح بالجمع بين الوزارة والنيابة وأضاف "دستورنا يسمح بذلك". وأكد في هذا الإطار ضرورة وجود منظومة متطورة من الضوابط العملية لمبادئ الفصل والتوازن بين السلطات وآليات الرقابة وأن يكون إشراك النواب في الحكومة متدرجا، وبالتوازي مع نضج العمل السياسي النيابي الحزبي، ممثلا في "مأسسة" عمل الكتل النيابية وتطورها، بحيث تبنى على أسس برامجية وأكثر صلابة وتتطور تدريجيا إلى كتل حزبية ، وهذا يرتبط زمنيا بقدرتنا على تطوير أحزاب وطنية وبرامجية فاعلة وذات امتدادات شعبية. وقال العاهل الأردني: "إن نهج الحكومات البرلمانية سيتعمق مع تقدم العمل الحزبي والبرلماني، من خلال الدورات البرلمانية القادمة، بحيث تجرى الانتخابات من خلال تنافس أحزاب على أسس برامجية، مع الحفاظ أيضا على حق الأفراد المستقلين بالتنافس في الانتخابات، والذي يؤدي في النهاية إلى ظهور ائتلاف برلماني على أسس حزبية، يتمتع بالأغلبية ويشكل الحكومة، ويقابله ائتلاف برلماني معارض يقوم بدور حكومة الظل في مجلس النواب". وأكد ضرورة تطوير عمل الجهاز الحكومي ليصبح أكثر مهنية وحيادا وبعيدا عن تسييس الأداء، ليكون مرجعا موثوقا للمعرفة والمساندة الفنية والمهنية لدعم وزراء الحكومات البرلمانية في صنع القرار. وأشار الملك عبد الله الثاني إلى أن الحوار الوطني الدائر الآن في بلاده يوفر مخاضا ديمقراطيا بناء لتعميق تجربة الحكومات البرلمانية ولتطوير آلية التشاور لاختيار شخص رئيس الوزراء القادم، وكيفية إشراك النواب في الحكومة من عدمه وبأي نسبة تكون.