قبل أن نلوم حاكم البلاد على ما صار إليه حال العباد والبلاد، ومن تفشي ظاهرة الانفلات الأخلاقي العجيب الذي يهدد كيان المجتمع وينذر بكارثة محققة تعصف بالأمة من جميع النواحي وعندئذ يتحقق قول الله تعاظم وارتفع. وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (سورة الأنفال الآية : 25) الواقع شديد المرارة.. إنها مرارة سنوات سابقة سوداء بل شديدة السواد، يريد البعض أن يحملها للنظام الحاكم أو على الأقل أن يحمله عدم تحقيق رغبات الأمة من انتشالها من منظومات الفشل المستمر في كل المجالات والإحباطات المتتالية التي يتعرض لها الفرد.. أن الفشل المستمر هو مستمر من تاريخ سابق مضى عليه عقود طويلة يحاول البعض منا إلصاقه زورًا وبهتانًا بالنظام الحاكم الذي لم تتح له الفرصة لالتقاط أنفاسه فهو يتعرض لهجوم يبدأ من التندر وينتهي بقنابل المولوتوف! وما أغربه من هجوم! لم نر مثله في دولة تريد أن تغلق أبواب التخلف والفشل والانحطاط. ولا يمكن لعاقل أن يتهم النظام الحاكم الحالي بأنه وراء ما يحدث الآن على الساحة من انفلات أخلاقي عظيم، ولا يمكن لسكران أيضًا أن يقول بهذا الاتهام! أنا لا أدافع عن النظام الحاكم فلا علاقة لي بأي حزب على الإطلاق ولا أحب التحزب ولا الحزبية فقط أحيا مع جمال العقيدة وقدرتها هي وحدها بالمنهج الذي تقدمه على تخطي كل الصعاب ووضع الأمة على الطريق الصحيح، وأرفض في الوقت نفسه جميع المشاريع النهضوية المنتسبة إلى يمين أو يسار فقط العقيدة بمنهجها وغير ذلك يقذف به في مزابل التاريخ وفقط مع كل كلمة مرجعيتها القرآن والسنة النبوية المطهرة (أسمع حاليًا أصوات تنادي أبين زين أبين!!) مصيبة كبرى أن تظهر هذه البدعة المنحطة في شوارع القاهرة!! (أبين زين أبين)!! انحطاط بالغ مثير تتعرض له الأمة المصرية ولا أبالغ إذا قلت الأمة الإسلامية التي قوامها مليار وأكثر من نصف المليار من المسلمين تتعرض لأبشع من (أبين زين أبين)! ما علاقة النظام الحاكم بما نشاهده من إجرام في حق الله من جانب عباد الله؟ حق الله ليس في تأدية الشعائر فقط! الربا والدعارة والاحتكار والتدليس وقطع الطريق والرشوة والمحسوبية... إلخ ليس لها مكان في المنهج الإسلامي.. الرضا بما قسمه الله هو المكان الأبرز في المنهج ولا يمكن أن ينال الفرد ما عند الله إلا بمنهج الله وكل تجاوز في هذا الأمر وانحراف عنه نحاسب عليه، لأننا أصلًا لابد أن نخضع رغباتنا لمنهج الله. وعليه فكل منا مسئول عما نحن فيه من شدة وابتلاء، لا مكان في المنهج الإسلامي لوضع مفرده غير إسلامية ولا يمكن تفعيله إلا بجميع مفرداته! هذا هو المنهج لا يمكن أن تأخذ بعضه وتترك بعضه ! منهج إلهي. نعم ، كل منا مسئول عما نحن فيه من شدة وابتلاء. يوم أن نتطهر من الربا، الرشوة، المحسوبية، الكذب، النفاق والدعارة بأشكالها (نوع جديد اسمه الدعارة السياسية) والاحتكار (الذي حل مجلس الشعب السابق بسبب إقدامه على إصدار قانون منع الاحتكار!) يوم أن نتطهر من كل هذا البلاء ستقوم البلاد وتنهض العباد. المنهج الإسلامي ليس فقط ما يتعلق بجانب الشعائر وإنما المنهج هو (الشعائر والشرائع معًا) ولا يمكن أن تحقق الشعائر الإسلامية وحدها مراد الله من خلقه لأنها لا تحقق مفهوم العبادة كما أرادها الله بدعوى عدم صلاحية الشريعة لأحوال الناس حاليًا!!!. يقول الكاتب الكبير الأستاذ / محمد قطب (إن مجرد القول بأن الظروف تغيرت معناه الشك في علم الله وحكمته) من كتابه لا تأتون بمثله ص 175. والكلام مهدى على الجملة لرواد (الثقافة العلمانية)! ويقول أيضًا (أن كل رسالة جاءت من عند الله كانت عقيدة وشريعة ومنهاجًا) من كتابه لا تأتون بمثله ص 174. إن الثقافة الرخيصة التالفة التي فرضت على الأمة طوال سنوات الحكم الماضي أتلفت العقل وأفسدت الذمم وحاولت الأنظمة العلمانية الحاكمة كلها قبل وصول التيار الديني إلى سدة الحكم أن تكتفي بالعقيدة وتزيح الشريعة والمنهاج من طريق الأمة ونجحت فعلًا في إتمام هذا الأمر، وأصبحت العقول والنفوس مكتفية بالعقيدة مصيبة كبرى من مصائبنا المتعددة. وقد ساعد على تعميق هذا المفهوم (الاكتفاء بالعقيدة) تلكم الحرب القذرة في مجال الثقافة العامة من كتب لوثت العقل وإعلام منحط في مجمله أفسد قدرة الناس على التذوق ودفع بهم دفعاً إلى كراهية كلمة (الشريعة) مما أسقط الكلمة من الأذهان بل تعرضت لهجوم كاسح ممن لا قدم لهم ولا ساق!! فسكت الناس وعاشوا بين الخوف والانتظار سنوات سوداء جرباء انتهت بقوة الله في 12/8/2012 ولكن القضية لم تنته بعد! العدوان على منهج الله لا يزال قائمًا حتى اليوم ولا يمكن القضاء عليه هكذا ببساطة أيضاً، ليس هناك ما يسمى بالقضاء على الجهل والفقر والمرض كما أوهمنا النظام السابق وكل تنظيماته وتفريقاته ال (.....). أمة تعيش أزمة ثقافية متراكمة لا يمكن حلها هكذا بضربة قاضية كما يقال! والثقافة هي كل تصرف للإنسان حتى تخزين الطعام في بيت الفلاح المصري ثقافة كما أوضح لنا علماء الحضارة ومنهم الدكتور حسين مؤنس في كتابه القيم (الحضارة) ولا علاقة لنا بما كتبه اليهودي (ول ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة)!!! لقد ارتكبت الأنظمة العلمانية السابقة جريمة كبرى في حق العقل المسلم وهي إزاحة الشريعة والاكتفاء بالعقيدة!! وكان نجاحها واضحًا للعيان ورضى عنها الأسياد في الشرق والغرب!! إنها جريمة كاملة الأركان لا تحتاج إلى دليل ولا إثبات فالدليل قائم عائش بيننا ليل نهار، الدليل هو الإنسان وما جرى له طوال السنوات الماضية. الإنسان الذي نراه اليوم في مصر هو نتاج سنوات القهر والذل الماضية، وهو يحتاج إلى تعديل عام لا يقدر عليه إلا شرع الله ومنهجه المتدرج كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انتقل بالمجتمع المكي الوثني إلى التوحيد في عشر سنوات ثم بدأ التشريع في المدينة فكانت الدولة المدنية الأولى لابد من التدرج لأنه من صميم المنهج. قبل أن نلوم حاكم البلاد على ما صار إليه حال البلاد والعباد لابد من ضبط سلوكياتنا كأفراد داخل بيوتنا وفي الطرقات العامة وفي أعمالنا الوظيفية، تضبط على المنهج الرباني وتستقيم عليه. إن إجابة سيدنا عمر بن عبد العزيز على سؤال ولده بأنه لا يستطيع إجبار الناس على الدين دفعة واحدة خوفًا من أن تركوه دفعة واحدة هي ذاتها مبدأ التدرج الذي هو من صميم المنهج، فلنبدأ بأنفسنا ثم أسرتنا الصغيرة ثم الأسرة الكبيرة وإلى الأفضل إن شاء الله. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]