في وسط الماء الراكد للوضع السياسي يتفضل علينا السيد الأبيض "الرئيس باراك أوباما" بإلقاء حجر قادم من بعيد من عند ماما أمريكا في هذه البحيرة الآسنة وموجات الحجر تتلألأ لتجعل عقولنا التى أصابها الملل تعمل وتفكر من جديد فقد تلقى السيد رئيس الجمهورية بالأمس وتحديداً بعيد جلسة الحوار الوطني "في الاستراحة" مكالمة من أوباما وخرجت الجزيرة لتعلن أن الرئيس الأمريكي دعا الرئيس مرسي إلى زيارته ناقلة ذلك عن مصادر في الرئاسة والحقيقة أنني لكثرة ما لسعتني "شوربة" متحدثي الرئاسة "المصادر الرئاسية" الذين لا يتوقفون عن ترديد الأكاذيب باستمرار فقد قررت البحث بنفسي عن بيان البيت الأبيض المتعلق بالمكالمة. وبالفعل عثرت على البيان الذي يقول اختصاراً إن أوباما اتصل بمرسي "ليؤكد على التزام أمريكا تجاه "الشعب المصري" كما رحب بالتزام الرئيس المصري بأن يكون رئيساً لكل المصريين بمن فيهم النساء وأصحاب الديانات المختلفة و"أكد" على مسئولية مرسى على حماية مبادئ الديمقراطية، التي حارب المصريون بشدة للوصول لها وشجع الرئيس والجماعات السياسية في البلاد على "التوافق" ودفع عملية التحول السياسي" وبعد كلام عن دور مصر في وقف إطلاق النار في غزة وكيف أن مصر هتعمل إصلاح اقتصادي "آخر حاجة" تأتي هذه العبارة الطريفة " ونوه الرئيس "أوباما يعني" على أن الوزير كيري سوف يزور مصر في الثاني من مارس ليلتقي بقيادات الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني ليؤكد على حاجة المصريين للعمل سوياً من أجل الديمقراطية إلخ إلخ" والآن كما ترى هناك مجموعة من الحقائق التي هي أمامك أولها أن الرئيس الأمريكي لم يدع مرسي للبيت الأبيض كما رددت "المصادر"! ولعل هذه المكالمة هي الموعد الذي كان الرئيس حريصاً أشد الحرص على الحفاظ عليه حتى ثارت أزمة على الهواء بسبب إصراره على الرحيل في منتصف جلسة الحوار. ثاني هذه الحقائق هو موعد المكالمة التي أتت "بالصدفة البحتة" في نفس اللحظة التي تشهد مصر فيها أولاً حالة من الجمود والمقاطعة بين الرئيس والمعارضة ثم حالة من التمزق بين الرئيس وبين حلفاء الأمس! والذي أراه أن هذا الوقت تم تخيره بعناية كوقت مناسب للضغط، فالقاعدة الشعبية للرئيس متمزقة أو على الأقل متذمرة ما بين من يطالبه بالتصرف حيال دعوات التخريب وبين من يطالبه بالتحاور وبين من يطالبه بالرحيل حتى بالإضافة إلى أمواج الشغب المتلاحقة التي ماجت ببعض المحافظات حتى كادت تصبح نقاط معزولة ولا تحتاج أن تكون محللاً بالمخابرات الأمريكية لتعرف أن الوضع الداخلي المصري متمزق وأن هذا هو أنسب وقت للضغط على السيد الرئيس وبشدة الذي لا يملك أرضية صلبة يقف عليها ليقاوم الضغط والرئيس "وجماعة الرئيس" لا يمكنهم خوض حرب إعلامية علنية ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت باب الضغط الأمريكي فهذا انتحار جربه المجلس العسكري وكانت عواقبه وخيمة "وواقعة النشطاء الأمريكيين كانت خير دليل" ومن الجيد أن يعرف كل شخص حجمه في الواقع ولا يتهور لعبارات أو تصرفات حمقاء من عينة "ومن وراء إسرائيل" التي رددها قديماً نجم هذا الأسبوع الدكتاتور الراحل. وفي العادة ومن وقائع سابقة كانت هناك شخصيات تقوم بهذا الدور نيابة عن جماعة الإخوان المسلمين وكانت التيارات السلفية بأنواعها "المزعومة" تقوم بهذا الحشد ضد "الشيطان الأكبر" إلا أن الشق الحالي الموجود بين الرئيس والسلفيين بأنواعهم يجعل هذا أمراً مستبعداً ويجعل قيام السلفيين بعمل تغطية "شعبوية" للرئيس أمام الأمريكيين أمرًا مستبعدًا أو على الأقل لن يحظى بنفس الحشد. وأنا إذ أدعي هذا الفرض لا أبنيه فقط على موقف الدعوة السلفية وذراعها الذي أصبح في غاية التوتر والذي وبكل إنصاف ممكن لو كان فمي قرب أذن الرئيس لهمست له أن يوقف هذه الحرب الخاسرة فوراً وأن يصلح علاقته بهم. بل إن دعاة منفصلين نوعياً عن سلفية الإسكندرية ومحسوبين نوعياً على مؤيدى الرئيس خرجوا خلال هذه الأيام ليلوموا الرجل علناً بسبب غياب تطبيق الشريعة! التام والكامل في جميع نواحي الحياة وكأن الوعد الانتخابي الليلي المختلط بزبد الدموع الذي قطعه السيد الرئيس بتطبيق شرع الله على القوم قد محته شمس نهار عابدين وواقعة الضباط الملتحين التي يتصدر الرئيس مشهد الملامة فيها أمام الناس وحده بصفته رئيس المجلس الأعلى للشرطة "بالدستور" وبصفته أيضاً رئيس "جهة الإدارة" هذا فضلاً عن تصريحات الأخوين صالح والعريان في مجلس الشعب بشأن "حاكمية الشعب" التي تعارض جملة وتفصيلاً أي حديث عن الشريعة "أي شريعة". هذا الموقف لن يسمح للرئيس بالحشد في ظني أو على الأقل لن يكون الحشد كافياً ليجعل الإدارة الأمريكية تنسحب بلا مكاسب. ثالث هذه الحقائق في رأيي هو عبارة "نوه" noted التي أتت في إطار الإشارة لزيارة كيري! هذه الكلمة تشير بوضوح إلى أن الإدارة الأمريكية قد عبرت خطاً ما مع السيد الرئيس وأعادت الصيغة الاستعلائية للذاكرة وهي الظاهرة بوضوح في الكلام كله لكن هذه العبارة أبرزتها فإن الرئيس الأمريكي قد أكد "مسئولية" مرسي عن كذا وكذا و"نوه" إلى أن مبعوثه كيري سيأتي لزيارة مصر ليلتقي الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني! ثم ألقت الإدارة الأمريكية بالجزرة وهي هنا تلك العبارة الأخيرة "حاجة المصريين للعمل سوياً" ليبتلع الرئيس كل ما سبق لعل السيد كيري يقنع المعارضة التمليك بالحوار والمشاركة في الانتخابات من أجل إكمال الفيلم الديمقراطي المصري. والإدارة الأمريكية لا يمكن أن تساير المعارضة التمليك علناً في دعاوى مقاطعة الانتخابات، خصوصاً أن الحلم الأمريكي قائم بالكامل على الانتخابات النزيهة كوسيلة للديمقراطية. والرئيس الآن وفي زيارة كيري وفي كل مواجهة مع الإدارة الأمريكية مهما كانت دقيقة وهامشية يرسم شكل علاقة مصر المستقبل بأمريكا القديمة والجديدة ويحتاج وبشدة أن يحدد أولوياته وأن يوقف بعض المعارك الخاسرة لكي يستطيع أن يحافظ على نجاحه السابق في الأداء الخارجي كرأس للدولة المصرية. [email protected]