لعل القارئ يعجبُ من حديثى فى الشأن المحلى والمشاكل التى تواجهها إحدى المدن المصرية لكننى أردت أن أسوق مثالًا حيًا وواقعيًا على مقدار الإهمال والتواطؤ الذى حدث فى حق الإنسان المصرى على مدار عقودٍ طويلة وكئيبة ابتلينا فيها بحكم رجلٍ مثل مبارك كان بليد الحس عديم المروءة والرحمة!! وكان من الأسباب التى دعتنى لاختيار كفر الدوار هو نشأتى بها ومعرفتى بمقدار ما قدمته المدينة لمصر من ثروات طبيعية ومدنٍ صناعية وطاقة بشرية كبيرة.. تجاوزت المليون ونصف مليون نسمة مع ما عُرف عنها من تاريخ مشرف من الكفاح والنضال ضد المستعمر البريطانى بقيادة الأدميرال سيمون الذى واجه مقاومة شرسة فى كفر الدوار على مدار شهرين كاملين بزعامة أحمد عرابى وبقيادة ميدانية من أحد قادة الجيش ويدعى طلبه عصمت ومعه مدفعية الميدان ممن استماتوا فى الدفاع عن المدينة وحاولوا عرقلة دخول الإنجليز إلى مصر من جهة الغرب "كفر الدوار" بعدما سيطروا على مدينة الإسكندرية، والتى أمطروها بوابل من النيران ولم ينالوا ما أرادوه من مدينتنا.. كما كانت للحركة العمالية والثورية طابعها فى المدينة منذ أيام الملكية فى مصر، وحتى قيام ثورة23من يوليو.. فحينما قامت إدارة مصنع الغزل بنقل مجموعة من عمال مصانع كفر الدوار إلى كوم حمادة بالبحيرة بدون إبداء أسباب، أثار ثائرة العمال وأعلنوا إضرابهم عن العمل وقاموا بوقفة احتجاجية لإعلان مطالبهم للجيش منددين بحركة نقل العمال وتدني الأجور والحوافز وتدهور سكن العمال وقد ظن العمال أن بقيام ثورة 23 يوليو قد أصبح الجو العام مناسبًا لتحقيق مطالبهم ونيل حقوقهم غير أنه قد جرت ترتيبات غير سوية أدت إلى صدامٍ بين القوات والعمال سقط أحدهم خلالها ليشكل بعدها مجلس قيادة الثورة العسكرى محاكمة لعددٍ من العمال فى فناء المصنع وفى بيت العمال ويُصدر حكمًا بالإعدام على شابين منهم الأول يدعى محمد مصطفى خميس؛ والثانى اسمه محمد عبد الرحمن البقرى. هذا قليل من كثير من تاريخ كفر الدوار فى الكفاح والنضال والمقاومة.. وبخلاف ما تحوزه المدينة وما تقدمه من عطاءٍ لبلدنا الحبيبة من صناعات كيماوية وملابس قطنية.. فإنها تتميز كذلك فى صناعة تجفيف وتصدير المحاصيل الزراعية كالبصل والبطاطس والخرشوف وتصدير الفاكهة المتميزة كالموالح.. ومع كل ما تقرأه عن المدينة يكفيك أن تطالعها مرة واحدة بالزيارة لترى بعينك مقدار الجرائم التى ارتكبت فى حق الإنسان المصرى من إهمال متعمد فى كل مرافق المدينة مع انهيار تام فى بنيتها التحتية نتيجة تراكمات طويلة من النسيان والإهمال الذى تعامل معنا به السادة المسئولون ممن لم يعيروا المدينة احترامهم وكان شغلهم الشاغل هو نفاق من فوقهم!! بل لقد عُوقبت المدينة مراتٍ عديدة، بسبب مواقفها السياسية المشهورة عنها وتصدى المسئولون لمساعى محافظى الإسكندرية لضمها إلى محافظتهم الجميلة نظرًا لدواعى الجوار والتداخل الجغرافى بين مدينة كفر الدوار ومدينة الثغر الساحلية إضافة إلى ما تقدمه كفر الدوار من عمالة ماهرة وقطاع كبير من المهنيين والحرفيين ممن أثروا الإسكندرية بكفاءتهم.. وكانت المدينة مع ثرائها وإيراداتها من شركات وزراعة بمثابة حمار العنب!! الذى يحمل من ألذ الفاكهة ما يحمل وما ذلك فهو محرومٌ من مجرد تذوقه مع ما يلاقيه من قسوة صاحبه وغلظة راكبه!! وزادت حالة السوء والفوضى فى المدينة فى الآونة الأخيرة بشكل أصبحت الحياة بها دربٌ من دروب الخيال فالإشغالات فى كل مكان أمام المقاهى والمحلات التجارية التى احتلت الأرصفة المخصصة للمشاة؛ والشوارع الرئيسية المكتظة بالباعة الجائلين المتربصين بالمارة؛ وسيارات السرفيس المرخصة وغير المرخصة احتلت كل الشوارع والميادين يقودها عددٌ من الأشقياء يكيلون السباب والشتائم لأى معترض من الركاب على زيادة الأجرة أو الحمولة الزائدة للمركبات المتهالكة التى تعمل منذ عصر الخديوى إسماعيل!!.. وورش السمكرة المزعجة المنتشرة فى شوارعها، والتى جعلت من الحياة جحيمًا لا يطاق.. وكورنيش المحمودية التى تشق وسط المدينة من جنوبها قدومًا من فرع رشيد إلى شمالها لتصب فى البحر الأبيض المتوسط لا تكاد من حجم المخلفات الصلبة والحيوانات النافقة التى ترمى فيها تصدق أنها مصدر الشرب للمساكين من سكان المدينة!! هذا ناهيك عن توقف أعمال التبطين الواجبة لجدران كورنيش المحمودية مما سهل على الفئران والقوارض حملات الهجوم المنظمة على المنازل والمحلات التجارية!! إضافة إلى انتشار ظاهرة غسل السيارات بواسطة عددٍ من الصبيان بمواتيرٍ كهربائية على كورنيش المدينة مما أعاق حركة المرور وصعّب حتى من حركة المشاة ذهابًا وإيابًا، نتيجة المياه المتدفقة على جانبى الطريق.. هذا بخلاف ما اشتهرت به المدينة من غوغائية فجة وضوضاء فاقت حجم التحمل فلك أن تتخيل حجم مكبرات الصوت التى تجوب شوارع المدينة للدعاية والإعلان من بائع الخضار أو الروبابيكيا، والذى يفاجئك ويقتحم عليك غرفة نومك فى أى وقت شاء من طلوع الفجر وحتى منتصف الليل!!.. مع غياب تام لرجال الأمن والشرطة قبل وبعد الثورة!! هذا فيض من غيض!! مما تعانيه مدينة كفر الدوار ما كل ما تزخر به من طاقاتٍ بشرية وموارد طبيعية ولا تحتاج إلا إلى قيادة وطنية مخلصة وحازمة تُعيد الأمور إلى نصابها وتُشعر المواطنين بآدميتهم وكرامتهم المهدرة فى أبسط قواعد الكرامة والآدمية.. فهل من مجيب؟؟!! [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]