نشرت الصحافة الإسرائيلية يوم 8 نوفمبر 2009 كتاباً ألفه أحد رجال الدين اليهودى فى مستعمرات الضفة الغربية وله نفوذ واسع بين المستعمرين اليهود فى الأراضى العربية المحتلة، وحمل الكتاب عنوان "دليل المشروعية لقتل غير اليهود"، ويشار إليهم بالأغبار، ويقصد بهم طبعاً الفلسطينيون والعرب، وهم الوقود التقليدى والتاريخى للإجرام الصهيونى. هذا الكتاب ونشره على المواقع الصحفية بين المستعمرين يتطلب إبداء عدد من الملاحظات الخطيرة، علماً بأن ماجاء بالكتاب تضمنته بروتوكولات حكماء صهيون الذى تنفى المصادر اليهودية والصهيونية وجودها أصلاً، رغم أن أعمال إسرائيل فى غزة ولبنان أشد بلاغة وفصاحة مما ورد فى أقوال حكماء صهيون. الملاحظة الأولى: تتعلق بعلاقة رجال الدين بالصراع العربى الصهيونى. فعلى الجانب العربى، يدعو رجال الدين الإسلامى والمسيحى إلى السلام والمحبة بين الجميع، ويلتقى رجال الدين من كل الملل والنحل خاصة فى الولاياتالمتحدة وأوروبا على أخلاق الدين الواحد الذى تدعو إلى ترك المحرمات والرذائل والكبائر والتحلى بالتسامح وبأصل القاعدة الإيمانية التى حسمها القرآن الكريم فى قوله تعالى "من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر". وفصل الله سبحانه بين الإيمان وبين قدر ماينزله الله من رزق، لأن الله يريد المؤمن مؤمناً حقاً وليس مؤمناً مغصوباً بسبب الرزق كما يفعل البشر. ولما كانت إرادة الإنسان وقدرته على الاختيار بين الكفر والإيمان تتطلب العقل جعل الله العقل والحرية أساس المسئولية عن الأفعال والحساب. من ناحية أخرى، كان لرجال الدين فى كل الملل موقف من دور الدين فى الصراع العربى الإسرائيلى، خاصة وأن الحركة الصهيونية قد وظفت الدين لخدمة هذا المشروع السياسى الاستعمارى، ووصل اللبس غايته بإعلان إسرائيل دولة يهودية، مما يعطى الانطباع بأن التوراة تدعو إلى طرد الفلسطنيين وقتلهم حتى يحل محلهم اليهود. وعندما يدعو الحاخامات جنود الجيش الصهيونى إلى التحلى بأخلاق التوراة فى نشرات التوجيه المعنوى الرسمية ويصطحب الجنود نسخاً من التوراة يتلونه خلال عدوانهم الإجرامى على لبنان وغزة، وعندما يدعو الكتاب الذى نحن بصدده إلى نفس السلوك مدعوماً بفتاوى لكبار الحاخامات، فإن ذلك يوجب التوقف ملياً أمام هذه الظاهرة التى تجاهلها العالم كله وخاصة العالم العربى، ويجاهر اليهود بأن لهم إلها خاصاً بهم أنزل إليهم توراتهم وليس التوراة التى وردت فى القرآن الكريم. الملاحظة الثانية: تثير التساؤل حول ماذا كان العالم سيفعل لو ظهر أحد رجال الدين الإسلامى بكتاب يدعو فيه إلى قتل اليهود ليس لأنهم يهود ولكن لأنهم قوم معتدون؟. لقد تصدت الحركة الصهيونية طوال فترات التاريخ للقرآن والرسول بالتجريح والإساءة بكل الصور، وألحقت بهما عكس ما يدعوان إليه من وحدة الأصل الإنسانى: إله واحد وآدم من تراب فادعت زوراً وبهتاناً بأن القرآن يحض على الإرهاب، وأن محمداً رسول الأمة هو "عميد الإرهابينن"، فإذا كان هذا توراتهم فماذا يقول العالم عنه. الملاحظة الثالثة: هى نوعية ثقافة السلام التى يريد الصهاينة أن تنشأ عليها أجيالهم، فالحياة لهم فى أرض غيرهم والموت والقهر لأصحاب الأرض، ويصبح الكذب والاحتيال والتزوير فضائل دينية وثقافية راسخة لسلام المقابر الإسرائيلى. ولعلنا نلاحظ أن تعليم الإسرائيليين كراهية العرب كجزء من ثقافة الدولة العبرية يشحن الشعب اليهودى ضد العرب بينما تلزم إسرائيل العرب بعدم التحريض ضد اليهود، كما أن هذه الظاهرة الخطيرة فى إسرائيل والتى تشير إلى الخلط الكامل بين الخط الدينى والمشروع الصهيونى تجعل من المستحيل إقامة سلام بين الجلاد الصهيونى الذى يستحوذ على كل شئ وبين الضحية العربى الذى لايملك حتى ترف قراءة قرآنه دون أن يآخذ على وضع اليهود فى سورة البقرة. على الجانب الآخر، فقد حاول العرب قمع التفسير الدينى للصراع مع إسرائيل، وخاصة بالنسبة للقيادات الدينية التى ترى أن فى القرآن نبوءة تتعلق ببنى إسرائيل، كما ترى بعض الاتجاهات الإسلامية أن الصلح مع إسرائيل مستحيل دينياً على أساس أن السنة النبوية فى ظنهم تجعل الصراع بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود فى المدينةالمنورة لابد أن يستمر بين أتباع هذا الدين وبين اليهود. وهكذا نرى على الجانب العربى فريقاً يؤمن إيماناً راسخاً بإستحالة السلام مع إسرائيل على أساس سياسى وهو فرض المشروع الصهيونى، ومن ثم يجب قتالهم بسبب إغتصابهم لفلسطين، كما يرى هذا الفريق السبب الآخر لعدائهم وهو سابقة معادتهم لرسول الأمة وحضهم على الزراية بهم، والعبث فى القرآن والإضرار بأمته فى كل العصور. هذه الصورة على الجانبين تجعل دور رجال الدين فى الجانبين خطراً ولكن الأخطر منه هو أن تجاهر الجماعة الدينية الصهيونية فى إسرائيل بأحقية اليهود فى أغتصاب الأرض وفى قتل أهلها وأصحابها، وإذا كان النيل من سياسة إسرائيل العدوانية يعد عملاً ضد السامية فماذا يسمى العالم موجة الكراهية والعداء التى يتباهى بها رجال الدين فى إسرائيل.