كشفت "المصريون" بالمستندات وبواقع أوراق رسمية واقعة فساد كبرى متعلقة بإهدار أحد المستثمرين مئات الملايين من أموال الدولة دون اتخاذ أى إجراء ضده، على الرغم من صدور أكثر من حكم بتغريمه وسحب أرض مشروع "مصرية بلازا"، حيث لا يزال المستثمر يستفيد من أموال الدولة دون أى تحرك لتنفيذ أحكام القضاء وإعادة قطعة الأرض الحيوية للدولة. وكشف تقرير لمحافظة الشرقية أن مستثمر مشروع "مصرية بلازا" قام بالإضرار بالمال العام إضرارا جسيما من خلال قيامه بتحويل مشروع ذى نفع عام إلى مشروع خاص يدر عليه أرباحًا طائلة – طبقًا لمذكرة بدفاع محافظ الشرقية بصفته – ضد (المستثمر) سمير عبد الشهيد أحمد فى الدعوى رقم 33 لسنة 2012.. والصادرة من الأموال العامة بالقاهرة – جهاز الكسب غير المشروع بتاريخ 19/12/2012، مضيفة أنه متوقف تمامًا عن سداد مقابل الانتفاع المستحق عليه والذى بلغ (4420436.04) جنيه. البداية وطبقا للمذكرة، فإن الوقائع تقول إنه بتاريخ 9/9/2001 أبرمت محافظة الشرقية عقدًا مع المستثمر سمير عبد الشهيد أحمد بصفته - وكيل مؤسسين لشركة مصرية للتنمية السياحية "ش.م.م"- إنشاء وتشغيل منطقة ترفيهية بمدينة الزقازيق وإعادتها بعد الاستغلال، وذلك بحق استغلال لمدة 25 عامًا تبدأ من تاريخ إصدار الترخيص، ويهدف المشروع إقامة حديقة عامة لا تزيد نسبة المبانى فيها عن 25% من المساحة الكلية للأرض (11 فداناً، 21 قيراطاً، 10.62 س) وبقاء 75% من مساحة المشروع عبارة عن طرقات وممرات ومساحات خضراء وملاهى وملاعب وحمامات سباحة غير مغطاة ومسرح مكشوف. وطبقا للعقد المبرم بين الشركة والمحافظة، فإن مدة تنفيذه تبدأ من تاريخ إصدار الترخيص والذى صدر برقم 49 فى 7/10/2002، وتنتهى مدة تنفيذ العقد فى 7/10/2004. كما ينص على مقابل الانتفاع الذى يلتزم المستثمر بدفع للمحافظة مبلغ 336.653 جنيه سنويًا. مخالفات صارخة ورغم أن شروط العقد محددة، إلا أن الأيام كشفت تلاعبًا كبيرًا من جانب المستثمر بأموال الدولة العامة، وتحويل المشروع العام إلى خاص يدر عليه ربحًا شخصيًا، فقام بجملة من المخالفات الصارخة، التى دعت المحافظة إلى فسخ العقد وسحب الأرض، وذلك بعد ملاحقة المستثمر أمام القضاء من جانب المحافظة وبعض المواطنين لرد حق الدولة، ورغم صدور عدة أحكام وقرارات لإنهاء انتفاعه بقطعة الأرض هذه، إلا أن شيئًا لم يتحقق على أرض الواقع رغم تعدياته الكبيرة، والتى جاءت حسب المستندات كالتالي: قامت الشركة بقصر التزاماتها على بعض الأجزاء بالمشروع قليلة التكلفة وتجاهلت إقامة الأجزاء عالية التكلفة دون تنفيذ مثل الفندق والحديقة العامة والمتنزهات، وقامت شركة "مصرية بلازا" بتحويل المشروع إلى مشروع تجارى لصالحها يدر عليها عائدًا أضعاف ما قامت بإنفاقه، وهو ما يشكل مخالفة جسيمة فى استغلال المال العام. كما حصلت الشركة على مبالغ كبيرة مقابل الاشتراك فى عضوية النادي، الذى قامت بإنشائه بالمخالفة لأحكام العقد وقانون الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة رقم 77 لسنة 1975، ومبالغ أخرى وصلت 50 مليون جنيه، من خلال تحصيل اشتراكات العضوية من كل عضو بدأت بمبلغ عشرة آلاف جنيه سنويًا، ثم ارتفع إلى خمسة عشر ألف جنيه ثم إلى ثلاثين ألف جنيه. وقام أيضا المستثمر سمير عبد الشهيد باستغلال المكان للتصريح للآخرين بإقامة أسواق تجارية داخل المشروع مقابل مبالغ مالية كبيرة خلافا للعقد، بجانب إقامة الشركة العديد من المشروعات وتشغيلها داخل الموقع دون ترخيص. ومنذ تاريخ التعاقد 9/9/2001 وحتى لحظة صدور التقرير- لم يقم المستثمر بسداد مقابل الانتفاع المستحق عليه والذى بلغ حتى تاريخ 13/1/2013 مبلغ مقداره 442 مليونًا و436 ألف جنيه. ولم يقم عبد الشهيد - مخالفة للعقد المبرم بينه وبين المحافظة - بتنمية الشوارع المحيطة بالحديقة، وعدم صحة ما ادعاه من أنه تعرض لمعوقات أثناء التنفيذ تمثلت فى مخلفات مبان وخطوط مياه وصرف صحى وكتل أسمنتية، ومن جانبها أكدت المحافظة أن ذلك غير صحيح على الإطلاق. ومن واقع الأوراق الرسمية الخاصة ببناء الفندق - الذى لم يتم حتى لحظة كتابة هذه السطور - فكان على المستثمر بناؤه منذ حصوله على ترخيص البناء رقم 49 فى 7/10/2002 وهو ما لم يحدث. وفجر التقرير مفاجأة مدوية من خلال مراجعة تواريخ سداد المستثمر لما قام بدفعه من مقابل الانتفاع المستحق عليه يكشف عن أنه لم يدفع سوى مبلغ "مليون ونصف المليون" فى 10/8/2011، 12/12/2011 من أصل مئات الملايين، وذلك بعد صدور قرار سحب المشروع منه فى 20/6/2011. تكذيب ادعاءات المستثمر وعلى جانب آخر، فند تقرير المستشار القانونى لمحافظة الشرقية بعض ما ادعاه المستثمر من أنه تعرض لمعوقات أثناء التنفيذ، وعدم صحة ما يقرره المستثمر بشأن إخلال المحافظة بالتزامها بتوصيل التيار الكهربائي، وأوضح العقد أنه ليس ثمة التزام على المحافظة بتوصيل التيار الكهربائى للمشروع، حيث تقرر المادة (7) بكراسة الشروط أنه: "يتحمل المستثمر تكاليف تعديل التغذية بالمياه وخطوط الصرف الصحى والتغذية بالكهرباء". وحين تبين للمحافظة أن المنشآت التى أنشأها المستثمر تطلبت زيادة القدرة الكهربائية المتطلبة بمقدار (5) ميجاوات، مما استلزم إنشاء لوحة توزيع كهرباء لإقامة اللوحة عليها، وقد حاول المستثمر على غير سند من أحكام العقد أن يجعل المحافظة تدفع تكلفة لوحة التوزيع، ولكن باءت محاولته بالفشل فقام بدفع مبلغ 535125 جنيهًا لشركة كهرباء القناة فرع الشرقية وتقاعس عن سداد باقى المبلغ للشركة وقدره 1.75.000 جنيه. يذكر أن المستثمر قد زعم أنه نفذ التزاماته التعاقدية والتى تبلغ - على حد زعمه - ب130 مليون جنيه، وهو ما يساوى ثلاث مرات تكلفة العقد، بينما أثبت تقرير المستشار القانونى لمحافظة الشرقية أن هذا الكلام غير صحيح، ذلك أن ما قام المستثمر بتنفيذه 12500 متر، مسطح شامل المسطحات الخضراء وتكلفة ذلك لا تتجاوز 25 مليون جنيه بأسعار وقت التنفيذ (تكلفة المتر 2000 جنيهx 12500 متر = 25 مليون). وأوضح تقرير المحافظة أنه فى حالة زيادة النفقات من جانب المستثمر، فإن البند (4) من الاشتراطات الخاصة بكراسة الشروط والمواصفات ينص على أنه: "لو زادت التكلفة عن ذلك – أى مبلغ 46.757.400 جنيهًا تكون على نفقة المتزايد دون الرجوع بهذه الزيادة على المحافظة". لا يحق للشركة التعاقد! والعجيب فى هذه القضية.. أنه على الرغم من تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات بشبهة الفساد التى تعترى المشروع وصدور عدة أحكام وقرارات قيادية بفسخ العقد واستعادة المحافظة لأرض المشروع، إلا أن المشروع مازال قائمًا حتى يومنا هذا.. ونستعرض خلال السطور المقبلة بعض هذه التقارير والأحكام والقرارات: - أكد مجلس الدولة، قسم الفتوى، فى تقريره رقم 34/64 بتاريخ 27/3/2011 أنه من الثابت أن الطرف الثانى للعقد (الشركة مصرية للتنمية السياحية ش.م.م) وقت إبرامه العقد فى 9/9/2001 كان مجرد شركة تحت التأسيس، وبالتالى تكون فاقدة لشخصيتها الاعتبارية وأهليتها القانونية التى يمكن بمقتضاها التعاقد مع الغير، وأنها لم تكتسب الشخصية الاعتبارية إلا بتاريخ 16/1/2007 عندما تم قيدها بالسجل التجارى رقم 1294، ومن ثم فإن العقد المعروض يكون "باطلا بطلانا مطلقا لأنه ولد ميتا ولا وجود له منذ البداية". - صدور قرار من محافظ الشرقية المستشار محمد عبد القادر عبد الله بتاريخ 21/6/2011 بسحب واسترداد مشروع إنشاء وتشغيل الحديقة العامة بمدينة الزقازيق، حفاظا على المال العام، نظرًا لانتهاء ما يقرب من نصف المدة المحددة بعقد الاتفاق المبرم بين المحافظة والشركة وعدم تنفيذ بنود العقد وتحويل المشروع إلى مشروع تجاري. - وبتاريخ 27/7/2011 صدر عن الجهاز المركزى للمحاسبات قطاع محافظة الشرقية، تقرير أكد فيه تقاعس محافظة الشرقية عن طرح استغلال قطعة الأرض المخصصة لإنشاء محلات تجارية لها بمساحة 600م2 بأرض الحديقة العامة وتركها للمستثمر لاستغلالها والاستفادة من عائداتها منذ عام 2001 وحتى 2011 وحرمان المحافظة من عائدات تلك المساحة بما يخالف شروط التعاقد. وأضاف التقرير عدم قيام الشركة المستغلة للحديقة بسداد مقابل الانتفاع منذ عام 2002 بالمخالفة لشروط التعاقد والبالغ ما أمكن حصره منها مبلغ 2977621 جنيهًا، فضلاً عن عدم قيام الشركة المصرية للتنمية السياحية بسداد المستحقات المالية لبعض الجهات والبالغ ما أمكن حصره منها 144857 جنيهًا. - كما أثبت مستند الجهاز المركزى للمحاسبات –الإدارة المركزية الثانية للرقابة المالية على الإدارة المحلية - الصادر فى 13/9/2011 يفيد بأن المحافظة تعمدت التغاضى عن إعلانات الشركة المصرية للتنمية السياحية "المصرية بلازا" وكافة مطبوعاتها وكارنيهاتها عن نادى "المصرية بلازا" هو ما مكنه من الاستيلاء على أكثر من 50 مليون جنيه، وذكر تقرير الجهاز أن النادى غير مرخص ولم يستصدر موافقة الشباب والرياضة على إنشائه. وأضاف الجهاز أن المقابل المادى الذى يفترض أن يسدده المستثمر عبارة عن الإنشاءات المذكورة وتم تقييمها بمبلغ 46 مليون جنيه بأسعار 2001. هذا بخلاف تجاهل المستثمر للضرائب بشكل تام، وهو ما أكدته مصلحة الضرائب برقم 4561 بتاريخ 5/10/2011، حيث كشفت أن الشركة المصرية للتنمية السياحية "ش.م.م" المعروفة باسم (مصرية بلازا) غير مسجلة لدينا بالمأمورية حتى تاريخه. مع إيقاف التنفيذ - وعن مكتب المحافظ صدر قرار رقم (188) لسنة 2012 - الخاص بشأن فسخ العقد المبرم بين المحافظة وشركة مصرية للتنمية السياحية (تحت التأسيس) والمؤرخ فى 9/9/2001، الذى أكد أنه تم رفع الدعوى رقم 17879 لسنة 13 ق، فى 17/6/2008 من المحافظة ضد الشركة المذكورة بفسخ العقد بين الشركة المذكورة والمحافظة وصدر قرار المحافظة رقم 4750 لسنة 2011 بتاريخ 20/6/2011 والذى لم يتم تنفيذه حتى تاريخ سحبه. وأوضح المكتب أنه مضى مدة 12 عاما تقريبا من تاريخ إبرام المحافظة للعقد مع الشركة المذكورة سابقا وهى مدة تقترب من نصف المدة الكلية المحددة للمشروع بالعقد، ورغم ذلك لم تقم الشركة بتنفيذ المشروع كاملاً واقتصرت على إقامة أجزاء تدر عليها ربحًا وفيرًا وسريعًا، وتراكم مبلغ 62 مليون جنيه عليها، وإخلالها بتسليم المحافظة مساحة 600م2 كمحلات تجارية مقابل إيجار مليون جنيه سنويا من تاريخ 1/11/2004 بما يستحق معه للمحافظة مبلغ 8 ملايين جنيه حتى آخر أكتوبر 2011، بجانب مخلفات أخرى تضمنها القرار (188). ونص القرار على فسخ عقد اتفاق إنشاء وتشغيل الحديقة والمنطقة الترفيهية بمدينة الزقازيق وإعادتها بعد الاستغلال المبرم مع شركة "مصرية للتنمية السياحية ش.م.م" تحت التأسيس، وكذلك فسخ الاتفاق التكميلى لهذا العقد المبرم بتاريخ 3/3/2002، وذلك للمخالفات الجسيمة والصارخة التى ارتكبت من قبل الشركة. وأكد القرار على متابعة السكرتير العام للمحافظة للقرار وتنفيذه، وذلك بعد تشكيل لجنة من مديرية الشباب والرياضة ومندوب من مديرية الشئون الاجتماعية ومن ممثل للمواطنين الذين قاموا بتسديد اشتراكات للشركة لتتولى استلام المشروع، ووضع تصور أمثل للاستفادة منه، بجانب تشكيل لجنة قانونية ومالية لتحديد الموقف المالى النهائى وحقوق المحافظة قبل الشركة المذكورة واتخاذ اللازم للمطالبة بها قضاءً، وكذلك تعويضات للأضرار التى لحقت بالمحافظة. وتثير قضية الفساد تلك العديد من التساؤلات البديهية.. لماذا يبقى الوضع على ما هو عليه؟ برغم كافة أحكام القضاء وتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات وقرارات المحافظة بفسخ العقد وسحب أرض المشروع من المستثمر، ولماذا تقاعست المحافظة عن تنفيذ هذه الأحكام وإتمام القرارات التى تعيد هذه المساحة الحيوية للدولة والحصول على التعويضات التى تتخطى 442 مليون جنيه.