أنا مُخيرٌ فى كل ما منحه الله لى من متاح، ومن ثم فلا أملك أن أختار الصعود إلى المريخ بينما لا أملك سفينة فضاء أو لم تُتح لى تذكرة من أمريكا أو روسيا، بينما اختياراتى واسعة عديدة وتكاد تكون لا متناهية ولكن فى المتاح أمامى من الممكن، المشروع منه وغيره، والحلال منه والحرام كذلك، والأمر فى ذلك كله يتوقف بعد توفيق الله سبحانه وتعالى على أمرين، أن يكون الإنسان مديراً فى كل شئونه، أما الثانى فأن تؤطر فكره وحراكه، قيمٌ. قيمٌ أخلاقية تمنع هذا الإنسان عن الحرام، وقيمٌ علمية تحميه من العشوائية. قرارات هذا الإنسان المتميز، على مستويات عدة وفى النطاقين الاجتماعى والعملى، اختيارٌ، اختيارٌ فى حدود الممكن وحتى الصعب منه كذلك، أما المستحيل فمستحيل فلا يفكر فيه للحظة ومن ثم لا يسمح له أن يستغرقه، بمجرد معرفته بأنه مستحيل، وإلا سيُنبئ استغراقه فى التفكير فيه، بخلل نفسى مؤقت أو بعوار نفسى يلازمه. الشورى اختيار، عند الرشيد الواثق. والاختيار عند الرشيد، إدارة. إدارة للفكر قبل الاختيار وأثنائه، وإدارة للفكر والحركة، بعده، ودوماً. ومن اختيارات الناس تستطيع تقييمهم. ومن مراجعتك لاختياراتك وفحصها، يمكنك أن تعالج نفسك، إن كنت ممن يواجهون أنفسهم وممن يتبعون منهجاً معتاداً فى هذا الشأن، وممن لديهم الملكة بالتأكيد، وإلا فلتذهب إلى طبيب. مصر فى حاجة إلى طبيب وبسرعة، الدولة وأنا وأنت وأهلها، إلا من رحم ربى حتى اللحظة، وحتى هذا الأخير الذى بقى صحيحاً حتى الآن فى ظل هذه الأجواء، فعليه أن يراقب نفسه ويسيطر عليها، كما عليه أن يحصنها من الأجواء المصرية الآنية الممرضة، المادية منها والمعنوية كذلك، وإلا فسينضم إلينا فى المصحة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونسألكم الدعاء بالشفاء لنا جميعاً والهداية. نحن الإسلاميون فى احتياج شديد الآن إلى «نيو لوك» ليس فقط من حيث الشكل ولكن يعكس جوهراً تصنعه رؤية «استراتيچية» بعيداً عن الارتجالية والاندفاع ونهج التجربة والخطأ. العجيب أن كلنا يسمع بعضنا البعض، ولكننا لا ننصت، والأخطاء تتوالى، فأى نموذج هذا الذى نقدمه؟!.. هل ندرى أننا لا ندرى الكثير، عن عمق الدولة العميقة، وعن عمق مشاكلنا وارتباطاتها؟ ومن ثم فلا عجب إن لم نتخير سياساتنا وأدواتنا، ولا عجب إن لم نستشرف ما تحتاجه دولة بحجم مصر، وما تستحقه، وما يمكن أن نحققه لها من الممكن، ولا عجب إن كنا لا نستشعر قدر الوقت الذى نضيعه وسنضيعه، أقول لا عجب فى كل ذلك، إن كنا غير مؤهلين، ولا نسعى لكى نتأهل. ويبقى السؤال المحير، هل نحن مكابرون أم جهلة؟ يقيناً عندى الثانية، أما الأولى فلا يعلم السرائر إلا الله. مَن يريد أن يختبر نفسه، فليسأل نفسه عن وقع حديثى هذا عليه؟ وعلى هدىٍّ مما يتركه حديثى عليه سواء كان «ضيقاً وغضباً» أو كان «رجة إيجابية واستنهاضاً» سيتمكن من تقييم ذاته، ولكن الأهم كذلك له ولوطنه، هو كيف سيكون رد فعله ومن ثم حراكه المستقبلى؟ * أكرر ما قلته عقب صدور الحكم، أنى أحمد الله سبحانه وتعالى أن حكمت المحكمة ببطلان قانون الانتخابات الپرلمانية، فأتاح الله لنا فرصة سياسية، أن نقدم قانوناً يرضى الجميع. فأرجوكم استمعوا لكل المقبول من الآراء، مهما كان مصدرها، بل اتركوا للمعارضين أن يقدموا لكم مشروعهم لهذا القانون. فذلك هو المطلب الوحيد الذى ذكرته منذ شهرين وبتكرار، أنه يمثل المطلب العادل الوحيد، لدى هذه الأقلية المعَوِّقَة للبلد، أقصد قانوناً للانتخابات كلها، يحقق العدالة والنزاهة، فإن تخلفنا الآن عن تحقيقه، لن نستطيع أن ندافع عن أنفسنا بشأنه. أما لو صدر هذا القانون قبل نشر المقال متجاوزاً «كالعادة» نصيحتى التى وصلتكم فى حينها، فأرجو أن يكون القانون قد حقق التوزيع النسبى العادل للمقاعد النيابية على مستوى المحافظات، وأنصح أن نعلن من الآن عن الإجراءات الصارمة فى النزاهة التى ستصاحب العملية الانتخابية، بدءاً من الترشح حتى إعلان النتيجة وما بينهما، ولبوا كل مطالب المعارضة فى هذا الشأن وتجاوزوا عن أى مطالب أخرى «ساذجة». وصدقونى «ساذجة» نعت مخفف لهذه الأقلية، وسأعطيكم مثالاً جديداً على هذه السذاجة، فئة من هذه الأقلية قررت أن تجتنب جبهة الإنقاذ باعتبار أن شعبيتها انخفضت وأنها تتعرض لانتقادات، فما الذى قررته هذه الفئة؟ قررت أن تهتم بالمبادرات الاقتصادية «رائع»، وتدعم العصيان المدنى فى مدن القناة «هههههه». نعود إلى ما بدأنا به المقال، فأقول إن هيبة الدولة فى قرارها الذى يُنفذ على الأرض، القرار الذى لا يصدر إلا وفق درس ورؤية، ومصر الآن تعيش ظرفاً استثنائياً غير مسبوق فى تاريخها، وأجيال خُربت عبر عقودٍ عديدة ثم بصفة خاصة فى عهد مبارك، ثم صبية وشباب لم يشاركوا فى الثورة ويريدون إثبات ذواتهم الآن، تلقفتهم أقلية غير محبة لوطنها فوظفتهم ومعهم المجرمين بأنواعهم والبلطجية، وهنا نظرياً أحتاج لقرار ومع ذلك ورشاداَ وبصيرة، لا آخذه وأؤجله، ولكنى أسعى إليه بالتدرج، إعداداً وتمهيداً قد يطول زمنه نسبياً، وذلك لا يُنقص أبداً فى هذه الظروف الاستثنائية من هيبتى ولكنه يعكس رشاداً وحكمة، وعلى التوازى أتجنب أى أخطاء جديدة، وأسعى للنفاذ إلى أعماق الدولة، ببصيرةٍ قد تعتمد توازنات من أجل السيطرة، وعلى التوازى أعمل من أجل مصر وأهلها، وبعد حين سأكون جاهزاً وجديراً باتخاذ ما أرجأته من قرارات. أخيراً أتمنى أن يُستقرأ ما احتوته هذه النصيحة. [email protected]