معذور من يخاف على مصر من الفوضى في حالة غياب مفاجئ للرئيس عن ممارسة سلطاته، فنحن طوال تاريخ الدولة الحديثة منذ عهد محمد علي باشا لم نجرب أن لا يكون هناك ولي عهد أو نائب للرئيس. على العكس جاء وقت كان فيه أكثر من نائب, آخرها الدكتور محمود فوزي السياسي القدير وواحد من أنجح وزراء الخارجية في مصر، مناصفة مع السيد حسين الشافعي عليهما رحمة الله. لا نعرف حكمة الرئيس مبارك في تغييب هذا المنصب الهام رغم أنه لم يثبت ممن تولوه، أنهم طمعوا في الكرسي الأول ولم يحاولوا أن يعضوا اليد التي اختارتهم. جميعهم كانوا أهلا للثقة، قادرين على امتصاص سوء الظن بأداء منصب شرفي باستثناء المشير عبدالحكيم عامر في عهد عبدالناصر والسيد علي صبري في عهد السادات، وفي الحالتين كانت الظروف السياسية المحيطة مسئولة عن ذلك، وقت نكسة يونيه بالنسبة لحكيم، ومحاولة إنقلاب مراكز القوى على السادات بالنسبة لصبري. مبارك برئ من التأثر بذلك فلا ناقة له ولا جمل. مسئول عن نفسه عندما كان نائبا، ومسئولا عن حماية البلد من فوضى مريرة اجتاحتها من أسيوط إلى القاهرة عقب إغتيال السادات. يبرر الرئيس في كل مرة يُسأل عن عدم تعيين نائب له يُؤمن إنتقالا آمنا للسلطة، بأن مصر دولة مؤسسات، والمؤسساتية هي التي تضمن الانتقال الآمن السلس، ثم يفسر الدستور بما يؤيد موقفه، فقد استخلص له مستشاروه عدم وجود نص صريح يوجب تعيين النائب! ندري أن التلاعب ببعض النصوص لفظا وتفسيرا أمر يسير خصوصا على ترزية القوانين، لكن الدساتير ليست بناء قائما بذاته، نزينه ونجمله ثم نصعد على سلالمه لتحقيق أغراضنا. أي دستور هو مبادئ عامة لضبط القوانين والمؤسسات، وهنا لم يرد أحد على تفسير مبارك بسؤال عن هوية الذي سينوب عنه في إدارة مؤسسة الحرس الجمهوري القوية جدا والمنوط بها حماية النظام الجمهوري. إنها جهة سيادية لا تخضع لوزير الدفاع، شبه مستقلة عن الجيش، يتبع قائدها رئيس الجمهورية مباشرة ويتلقى الأوامر منه أو من نائبه في حال غيابه كما حدث وقت اغتيال الرئيس الراحل أنور السادت. بعد إغتيال السادات بيومين في حادث المنصة الشهير، التهبت مصر من أسيوط إلى القاهرة، فقد سيطرت الجماعات الاسلامية على شرايين أسيوط الأمنية لمدة 12 ساعة، اختفت فيه سلطة المحافظة ووزارة الداخلية، وبدا الأمر كأنها سقطت في أيديهم، وأن جماعة الجهاد هي الأخرى في طريقها للسيطرة على مفاصل القاهرة وخصوصا مبنى الاذاعة والتلفزيون، وإعلان نجاح الانقلاب والسيطرة على الحكم. يخطئ من يعتقد أن حسني مبارك – النائب في ذلك الوقت العصيب – وصل لمنصبه الرئاسي بمساعدة وزارة الداخلية والأمن المركزي وقدرات وزير الداخلية النبوي اسماعيل وحسن أبو باشا وزكي بدر. لقد خرجت قوات وزارة الداخلية مهزومة من معركة أسيوط وكانت على وشك خسارة معركة القاهرة. الرئيس مبارك بقدراته العسكرية الكبيرة وانطلاقا من صلاحياته أدار بنفسه معركة حماية مصر واستقرارها خلال 12 ساعة فقط سيطر فيها على البلاد من شمالها إلى جنوبها، وهنا لعب الحرس الجمهوري الدور الأكبر والأهم، كما لعبه أثناء ثورة الأمن المركزي التي اندلعت فجأة في كل محافظات مصر في وقت متزامن غريب. من كان في القاهرة في ذلك الوقت رأى الدبابات والمدرعات التي انتشرت فيها بسرعة فائقة، وكيف كان يقابل ضباطا وجنودا على درجة عالية من الوعي والثقافة والتدريب على معاملة الجماهير، لدرجة أن الناس أيامها تمنوا أن يحكم العسكر مصر وتغرب عنهم الداخلية بأمنها المركزي وعصا ضباطها الغليظة! إذاً لابد من نائب لرئيس الجمهورية حتى لو استحدث نص في الدستور يمنعه من الترشح للرئاسة باعتبار أن الرأي العام يريد رئيسا من اختياره لا توريثا من نوع آخر.