مقال الأستاذ / أحمد رتيمة (الروح) أضفت عليه فورة الشباب بريقًا يستحسن لولا هذه العبارة (الروح ذات طبيعة فوضوية من صفاتها الانطلاق الحر والتدفق العشوائي)، فلا أعرف من أين له بهذا الإطلاق الذى أضفاه على طبيعة الروح؟! وأنا أذكركم بروح ميدان التحرير فى الخامس والعشرين 25 من يناير 2011م ، فقد توحد المصريون فى كل صقع، بل فى كل بيت من بيوت مصر وكأنهم شدوا بحبل واحد، بل كأنهم رجل واحد، فلا ترى رجالًا ونساءً وشبابًا وشابات من مختلف الفئات قد انصبغوا بثورة سلمية لا مثيل لها فى تاريخ الثورات، فلا عنف فيها ولا تدمير، بل الكل مربوط بوحدة الهدف وقوة الإرادة وشدة العزم، فقد أراد الله - تعالى - أن يكون نظام حسنى مبارك دليلًا ظاهرًا يحكى فى سير التاريخ عبرة وموعظة لكل حاكم طاغية ظالم أمهل، فلم يفهم أن كيد الله تعالى متين، فأخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، فلم يفلته 00 ! أما الفوضى والعنف والعشوائية والتدمير والتخريف فقد عملت الأيادي الحزبية البغيضة على إزكاء روح الفتنة وإضرام نارها فى الأخضر واليابس، فقد تقطعت أواصر الحرية والكرامة والبناء والتنمية، وانصرف كل حزب وائتلاف يتعالى ويفتخر أنه كان هو من أشعل فتيل الثورة وتناحروا على آراء وأهواء لا تمت لأهداف الثورة العليا بصلة، فدعموا العنف بطريق مباشر أو غير مباشر، فلا وحدة ولا نظام ولا منطق ولا عقل، بل نبشت الأيادي الحزبية البغيضة والمجرمة فى جسم مصر تكاد تزهق منه الروح. وكل حزب وائتلاف بما لديهم فرحون00 ! فتلك الفوضى، وذلك العنف يمثل الفوضى والحرية العشوائية التى تتمثل فى الأرواح الشريرة كأرواح الشياطين والأبالسة والأرواح الرديئة و النجسة التى يتكلم عنها (الكتاب المقدس)، فلعل كلمة الأرواح الشريرة هنا يقصد بها النفوس الشريرة، سواء كانت نفوس أبالسة وشياطين جنية أو إنسية فتكون التسمية بحكم الأصل، فالنفس كما نفهم مجموع الروح والجسد وهو ما بينته فى كتاباتى المتعددة. وعمومًا، لا أحد منا يعرف حقيقة الروح إلا خالقها سبحانه وتعالى" قل الروح من أمر ربى "( الإسراء : 85 ) وإن كان بعض العلماء قد أعطى لنفسه الحق فى محاولة التعرف على حقيقة تلك الروح من أمثال الإمام الغزالي، وغيره من العلماء كابن قيم الجوزية الذى ألف فى الروح كتابًا سماه (الروح) إلا أن أحدًا منهم لم يقل لنا ما هى الروح على الحقيقة. وقد تضمن كتابى (نشأة العالم وأول خلق الله) بحثًا مفيدًا بعنوان (الروح الكل والأرواح الجزئية) تأكد لنا فيه أن الروح ليست معنى واحدًا، بل لها معان متعددة، كما أن لها سرًا يخفى، فهى من أسرار الله تعالى، فقد أخفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكف عن بيانه، فحقيقة سر الروح بما لا تعرف، فتكل الأفهام وتعجز العقول والفكر عن دركها، وتقصر الأوهام عن تصور كنهها، فكيف بخالقها – سبحانه - تعالى الله عما يصفه الواصفون علوًا كبيرًا. لا تقل لى أنك تقصد روحًا آخر، وإلا فاكشف لنا عما خفي عنا، فقد حددت عنوانك وكلماتك بألف لام العهد التى هى للجنس، فكان عنوان مقالك (الروح)، فحق لنا مناقشتك فى ذلك اللفظ، لا فى طبيعة المقال. الروح لا تُعرف، فلا يعرف حقيقتها إلا خالقها سبحانه وتعالى، فنحن لا نراها ولا نلمسها ولا نشمها ولا نتذوقها ولا ندركها، ولكن نستدل على وجودها فينا بمظاهرها وأثرها فى حركتنا وتنفسنا ونبض عروقنا وخفقات قلوبنا، وفى ومضات العيون، ناهيك عن شغاف القلوب واحتراق الأكباد، فلا نسمع إلا صوتها، ولا نحس إلا بها، ولا نشعر أو نجد إلا وهى فى البؤرة من كياننا كله، مع ذلك لا أحد منا يستطيع أو يدعى أنه عرفها، فلا يعرف إلا أثرها. لا ينبغى أن يقول أنها ذات طبيعة فوضوية عشوائية، فهذه نغزة شيطان، فالفوضى شيطانية إبليسية.. ولا أظنك قصدت روحًا جانية إبليسية شريرة، فكان يمكن قبول كونها فوضوية عشوائية مجازًا لطبيعة الجان والشياطين النارية التى لا يستقر لها قرار من ناحية، ومن ناحية ثانية كما قلنا لأنك عرفت الروح بألف لام العهد.. فظننا أنك تعطينا جديدًا فى مجال الحديث عن الروح، فهو حديث ذا شجون.. ! أعلم أنك لم تقصد الروح المنفوخ منها فى الأحياء من ملائكة وجان وإنس وحيوان وغير ذلك من كل متنفس، فلا يتنفس متنفس إلا بما فيه من روح الحياة، فالروح سر الحياة فى كل متنفس. كما أننى أعرف أنك لم تقصد الروح القدس والروح الأمين، ولا تلك الروح العلمية التى يهبها الله تعالى لعباده من وحي وفراسة وتوسم وإلهام وما إلى ذلك من أنواع العطايا والهبات. قال تعالى: "وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم" ( الشورى : 52 ) جمعت الآية الكريمة بين الروح الذى يحصل به الحياة، والنور الذى يحصل به الإضاءة والإشراق، وأخبر أن كتابه الذى أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم متضمن للأمرين، فهو روح تحيا به القلوب، ونور تستضيء به الروح وتشرق. و قال تعالى: " أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها " ( الأنعام: 122 ) [email protected]