ما أضر الخلق ما أضرهم الخلط فى قضية الأسماء والمسميات، وما أدرك إبليس اللعين ما أراد من الإذاية والإضرار بآدم وذريته إلا بالتلبيس عليهم فى هذه القضية، وعلى منواله ما يزال أتباع إبليس إلى يوم القيامة، ينسجون إضلالاً للخلق وإيرادهم موارد التيه والهلاك والضياع، وكم من أناس ضلوا لأنهم عن قضية الأسماء ضلوا. لما أراد اللعين أن يغوى آدم وحواء ليخرجهما من الجنة ونعيمها ليهبطا إلى الأرض وشقائها، فلا ينال رزقه إلا بكد يمين وعرق جبين، بعد أن كان فى جنة لا يظمأ فيها ولا يضحى، ولا يجوع فيها ولا يعرى. لما أردا بهما السوء قاسمهما كاذبًا إثما أنه لهما لمن الناصحين, فهل كان كذلك أم كان من الخائنين الغاشين؟ وزعم أنه يريد دلالتهما على شجرة الخلد والملك الذى لا يبلى, فهل نالا شيئًا من ذلك أم الضد من ذلك كان؟ كانت هذه تقدمة بين يدى هذه الحكاية: فى مداخلة لى على قناة "التحرير" مساء يوم 15 فبراير وكان موضوع الندوة عن كيفية معالجة الأزمة الراهنة التى تموج فيها البلاد ووسيلة التعامل مع معطيات المشهد للخروج من تلك المحنة, وأفضى بنا الحديث إلى ما يلزمنا فعله تجاه أولئك الذين يستهدفون القصور الرئاسية بالحرق والتدمير والمعتدين على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة والمنشآت الحيوية التى تصب فيها مصالح المواطنين, وذكرت أن هؤلاء يشملهم مسألة دفع الصائل، وأنه يدفع بما يندفع به الأهون، فالأهون، فإذا لم يندفع إلا بالقتل قتل، وعلى نفسها جنت براقش، وأن هذا المبدأ قاسم مشترك بين الشرائع السماوية وحتى القوانين الوضعية، وهو ما يسمى بحق الدفاع الشرعى. وقلت إن تهاون المؤسسات الأمنية المنوط بها حماية المواطنين لحراسة المنشآت، ومنها مجمع التحرير، هذا التهاون نكول عن القيام بالمسئولية وتقاعس وقعود عن أداء الواجب الذى أقسمت على رعايته هذه المؤسسات، وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة، وأن هذا التهاون يتعارض مع مقتضى اليمين الذى أقسموا عليه بأن يرعوا مخلصين مصالح الوطن, وأن تجريد رجال الأمن المخول لهم حراسة هذه المنشآت من أسلحتهم هو تكريس للفوضى والهمجية وانحياز للبلطجة والبلطجية، علاوة على أنه دعوة للتمادى فى انتهاج العنف والإغراء بالإجرام لأن المجرم إذا لم يردع فهو مأمور. عندما وصلت لهذه المحطة من المداخلة قفز أخ فاضل بمداخلة معقبًا ومعلقًا على ما ذكرته آنفًا متقمصًا شخصية الحكيم الرحيم الذى ينضح حناناً وحكمة ويفيض لطفاً ورحمة، ويتماهى وداعة ورقة ورأفة، مستدركًا أن كلامى هذا من شأنه أن يجعل العنف سيد الموقف، وأن هذا الكلام لا يتسق مع الرحمة والرأفة والهوادة, ونسى صاحبنا الحكيم أن رحمته على المجنى عليه أولى من رحمته على الجانى وتناسى صاحبنا الرحيم أن اللطف بالمظلوم أجدر باللطف من الظالم, وغفل صاحبنا الحليم عن أن الرأفة بالمصول عليه آكد من الرأفة بالمجرم الصائل, وجهل أنه استهدف برحمته ورأفته ولطفه حفنه من البلطجية على حساب حقوق وأرواح ومصالح ملايين الأبرياء من أهل الوطن. حقاً إنها رحمة كاذبة ورأفة خاطئة ورقة ظالمة, إن وقوع مجمع التحرير ذلكم الصرح الحاوى لجملة من المصالح الخادمة لملايين المصريين أسيرًا بيد حفنة من المأجورين المجرمين ووقوف الحكومة عاجزة خائرة عن تخلصيه من قبضة آسريه حتى تحمل المواطنون عبء فكاكه، يحكى مهزلة لا يسترها الذيل ولا يغطيها الليل, وإن كان تخاذل الحكومة تجاه هؤلاء المجرمين يعبر عن مبلغ الرحمة فى قلوب المسئولين، فهو يعبر بالضرورة عن بالغ الظلم والجور والقسوة فى قلوبهم تجاه الملايين من هذا الشعب. فأى الفريقين أيها الحكيم أولى بالرحمة؟ وأى القبيلين أيها الرحيم أولى بالشفقة؟ الجواب بمقتضى الرحمة الكاذبة والرأفة الخاطئة الظالمة معلوم، وهو أن الرحمة واجبة لكل مجرم يحرق مدينة من أجل أن يشوى بيضة, وبكل خائن يشعل وطنًا من أجل أن يستدفئ فى ليلة شاتية.