إذا كانت الأجواء هادئة ، والعيشه هانئة ، والود شعار الجميع ، والحب يغلف القلوب من القاهره حتي البليدة ووهران ، كما ظهر واضحا من الأخوة الجزائريين في زيارة كابتن شوبير للجزائر ، وإذا كان رأي الجميع هنا وهناك ، أنه لا فارق مطلقا فيمن يصل إلي نهائيات كأس العالم ، وأننا سنصفق ونساند أيهما ..!! فما الذي نراه يحدث إذن هنا وهناك ؟؟ .. تهديد ووعيد وترهيب من الجانبين ، علي المستوي الشعبي و الجماهيري ، فيما يقابله إبتسامات زائفه ، وإيماءات باردة ، لا تحمل أية معاني واضحة علي المستوي الرسمي .. فما تفسير كل ذلك ؟ .. الحقيقة أن كل ما نراه هو نوع من الحب السياسي ، والأخوة الدبلوماسية ، والأمنيات الروتينيه التي تجدها تجري علي كل لسان ، ولا تتعدي منطقة الفم والشفتين ، بما يعني أن الكلام في أحيان كثيرة لا يخرج من القلب .. فقط .. هو نوع من الرؤي السياسية التي هي في واد ، والشعوب في واد آخر .. ولو أنك قابلت أحد الذين حرقوا علم مصر وأساء إلي لاعبيها ، وسلطت عليه أضواء الكاميرات ، لوجدته يبتسم وهو يتحدث عن العلاقات التاريخيه بين البلدين ، وأنه لن يحزن لو لم تصعد الجزائر لكأس العالم ، لأن مصر بالنسبه له هي وطنه الثاني ، وهكذا من تلك القوالب المحفوظه عن ظهر قلب .. ثم بعد أن تغادره بخطوات ، لو إلتفت بناظريك قليلا للخلف ، لوجدته يستعد لإشعال النار في علم مصري آخر .. وهو نفس ما سيحدث مع أي مشجع مصري تراه يرتكب نفس الفعله .. إزدواجيه غريبه ، نعيشها في كل لحظة من حياتنا ، تري الشخص من هؤلاء يسب ويلعن ويندب حظه مع الحكومة التي نغصت عليه عيشته وحياته ، ما بين فقر مقدع ، وأمراض مستعصية ، وتعليم متدني .. ثم تفاجئ بذات الشخص ، عند أي حديث تلفزيوني أو لقاء صحفي ، تعرض له حتي ولو صدفه ، فتجده يشيد بالحكومه ، ويشكر معالي الوزير ، وسيادة المحافظ ، والباشا مدير الأمن ، والسيد وكيل الوزارة ، ويقسم بأغلظ الإيمان ، أنه يعيش حياته ولا عمنا هارون الرشيد ، وأن الألم الذي لا يغادر بطنه ما هو إلا نتاج التخمه ، والأمراض التي لا تفارقه سببها الثراء الفاحش وحياة الدعه ، التي لا تجعله يتحرك قيد أنمله ، وأنه ما يسير حافي القدمين إلا ليتعلم حياة التقشف ، فيشعر بغيره من الفقراء ويشاركهم حياتهم والآمهم .. وهو الذي كان يلعن سلسفيل أجداد الحكومة منذ لحظات قليلة .. !! هذا هو ما نحياه ، أو أحد مشاهد الحياه تبعنا ، وهو المشهد الذي يستحق الوقوف أمامه والتأمل فيه ، حتي إنك قد تصعق لو شاهدت مثلا برنامج لمدحت شلبي ، يهاجم فيه الجزائر وجماهيرها ، فتجد أحد الاخوه المشاهدين يتصل ليشيد بمدحت شلبي ، وحكمته وعبقريته وحبه الشديد لمصر وغيرته عليها ، فتشعر بالغثيان من هذا النفاق الواضح ، لتعبث بال ( ريموت ) في محاولة لتغيير القناة ، فتفاجئ بشوبير وهو يتحدث عن العروبه وحب الجزائر وقيمة شعبها الأصيل ، ثم تجد نفس الشخص يتصل ليشيد أيضا بحكمة شوبير ، ومنطقه ، وذكاؤه ، لتلقي بال ( ريموت ) أرضا ثم تبحث عن أقرب حائط إليك ، وأنت تعلم الباقي بكل تأكيد .. وهو ما يدعونا لمطالبة أمثال هؤلاء ، بالتوقف عن اللعب بالنيران ، ونطالب أيضا بالمقابل إعلام الجزائر بالهدوء والتعقل ، فما معني أن تجرفوا شعوبكم لهوة عميقة بسبب منافسه إعلامية فاشلة شوبير ، والغندور ، ومصطفي عبده ، ومدحت شلبي ، لهم إعلامهم الخاص ، الذي لا أعلم تحديدا من أين إستقوا مترادفاته ، فتجدهم لا يبرعون إلا في إثارة الفتن ، حتي لو إدعي بعضهم العكس ، وحتي لو حاول أحدهم التطرق إلي مشكلات إجتماعيه ، لإضفاء نوعا من الوجاهه الإعلامية لبرنامجه ، لن يفلح كل هذا .. وستجد مثلا أن مصر قد فقدت عالما ومفكرا كبيرا بوزن الدكتور مصطفي محمود ، ورغم ذلك لن يشعر أحد من الذين سبق ذكرهم بما يدور حوله ، ولن يلقي الفقيد أدني إهتمام ، بل لن يلتفت إليه واحد من هؤلاء ، ليس لعيب في الفقيد ، وإنما العيب كل العيب فيمن لا يجيد السباحه إلا في المياه الضحلة الوحله ، ورغم ذلك يصارع الغرق ، ويغرق معه كل من حوله ..