الغضب مشروع الآن من كل الأطراف، مع الأسف، لا بد أن نسلم بذلك، فأنصار الرئيس مرسي سواء من داخل جماعة الإخوان أو من خارجها مستاؤون من محاولات فرض واقع الفوضى في البلد وعدم تمكين الرئيس من العمل في هدوء من أجل النهوض بالبلد، وتعمد تهييج الشارع بصفة مستمرة فضلًا عن التهديد بالعنف وتورط معظم أو كل المسيرات والمظاهرات التي ترعاها المعارضة في عنف بدرجة أو أخرى وهو عنف متصاعد في وتيرته واتساعه مع الوقت بما يكشف عن خطة ممنهجة لإحراج الرئيس تمهيدًا لإسقاطه ويعتبر الإسلاميون بشكل كامل أن شرعية مرسي خط أحمر، ليس من أجل اسمه أو جماعته فهناك خلافات عديدة وجذرية أحيانًا ولكن من أجل الحفاظ على أهم مكتسبات الثورة وهو التحول إلى نظام حكم مدني يحترم إرادة الشعب ولقطع الطريق على عودة النظام القديم سواء بأشخاصه أو بسياساته ومنظوماته القمعية المتعددة وإرث الفساد الذي كان عنوانًا على تاريخه، في المقابل هناك غضب متصاعد من جانب أحزاب المعارضة وتحديدًا المنضوية تحت عباءة جبهة الإنقاذ لعدة أسباب لعل أهمها، وهو ما لا يصرحون به علنًا، هو إقصاؤهم من المشهد السياسي بالكامل وتهميشهم اعتمادًا على أن فترة التحول السياسي لم تسمح لهم بصناعة قواعد شعبية كافية للنزال الانتخابي، على عكس الإسلاميين، وبالتالي ينظرون إلى موضوع "الصندوق" بأنه نوع من انتهازية اللحظة غير المتوازنة وليس إيمانًا حقيقيًا بالديمقراطية، كما يعتقدون بأنه لا توجد أي ضمانات كافية لاحترام الإسلاميين للصندوق إذا أتى ضدهم بعد أن يكونوا قد هيمنوا على أجهزة الدولة وأدواتها، ويرون أن بعض الممارسات الرسمية خلال الأشهر الماضية التي تولى فيها الدكتور مرسي مقاليد البلاد تكشف عن توجه عنيف لفرض سياسات وإجراءات وواقع تشريعي جديد لا يحترم وجود المعارضة بل ويسحقها بصفة منتظمة وممنهجة سواء في الإعلانات الدستورية أو تغيير في هيكلة المؤسسة القضائية أو تجاهل كل مطالبهم في الدستور، إضافة إلى أن إصرار الرئيس على الاحتفاظ بحكومة قنديل لإدارة الانتخابات المقبلة مع وجود حوالي تسعة وزراء من الإخوان فيها وعشرات المستشارين في الوزارات الأخرى التي لا يشغلونها من شأنه أن يؤثر في اتجاهات التصويت في الانتخابات المقبلة، لأن أي قرار وزاري أو إجراء يتعلق بمصالح الناس أو معيشتهم يمكن أن يشكل دعاية غير مباشرة للجماعة تفقد الانتخابات نزاهتها وعدالتها وبالتالي بدلًا من أن يتقرب الإخوان للناخبين بالسكر والزيت والخدمات من مال الجماعة ومقدراتها سيفعلون ذلك من جيب المال العام حسب قولهم، وهي ميزة لا تملك منافستها كل الأحزاب الأخرى لأنها لا تملك مثل هذه القدرات الهائلة لأجهزة الدولة وإمكاناتها، ويرفضون التعلل بأن الفترة المقبلة صغيرة قبل الانتخابات بدعوى أن الإخوان أضافوا خمسة وزراء جدد لهم في حكومة قنديل الآن رغم أن الفترة قصيرة وهو ما زاد من شكوكهم بأن هذه ترتيبات وتحضيرات للتأثير في الانتخابات المقبلة، ويقولون إنه إذا كانت حكومة قنديل فاشلة بإجماع الآراء وعاجزة عن فعل أي شيء جوهري وهي أشبه بحكومة تسيير أعمال، فلا معنى للتمسك بها، ويمكن لأي حكومة وطنية أخرى أن تسير الأعمال خلال الأشهر المقبلة، ويضيف عمرو موسى عضو الجبهة مقترحًا آخر بأن تمنح حكومة الإنقاذ الوطني التي يتم اختيارها فترة عام ونصف العام لتصحيح مسارات الاقتصاد والأمن في البلاد والإشراف على انتخابات مجلس النواب ومجلس الشورى، هذه هي خريطة الخلاف التي يمكن رصدها، بعيدًا عن الغضب والغضب المقابل، والهجوم الإعلامي والهجوم المقابل، والذي يضيع الحقيقة ويبعدنا عن الوصول إلى حل، لأنه إذا كان الغضب مشروعًا من هذا الجانب أو ذاك، فإن الذي لا يمكن أن يكون مشروعًا أن يظل الجميع متخندقًا في غضبه ومطالبه، وأن يراهن كلا الطرفين على أن الوقت في صالحه وليس في صالح خصمه، بينما الوطن هو الذي ينزف وهو الذي يدفع الثمن، والثورة وكل مكتسباتها معرضة للضياع فعلًا من الجميع، إذن، فالأولوية المطلقة الآن، شرعًا وخلقًا ووطنية، هي البحث عن حل، فما هي معالم هذا الحل، أو ما هو المدخل إليه، أتمنى أن أسمع أو أقرأ رؤى وأفكارًا ومقترحات عملية، أيًا كان اتجاهها، فلتكن عصف ذهن كما يقولون، ثم نبلورها في نقاط محددة، فكلنا شركاء في الأزمة، وكلنا شركاء في الوطن، وكلنا مسؤولون عن الحل والمخرج، .... ونتواصل غدًا بإذن الله. [email protected]