لقد من الله على مصر بثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011م، فهي منحة ربانية لم يتوقعها أحد، حتى أكبر أجهزة المخابرات لم تكن على علم بها، بل هي جاءت مفاجأة للجميع، حتى النظام نفسه لم يكن يتخيل أن الأمور سوف تتدهور بهذه السرعة، حيث انهار وسقط نظام استمر أكثر من نصف قرن منذ انقلاب يوليو 1952م، وترتيبًا على ما سبق فإن هذه الثورة يحميها رب العالمين إن لم نفرط نحن فيها ونيأس ونتركها تعدم بيد فلول النظام الفاسد السابق، مع بعض عملاء الخارج الذين يحصلون على تمويل وتأييد غربي على نطاق واسع. لذلك ينبغى اتخاذ خطوات جادة وحازمة وحاسمة للعمل على استئصال الفساد من جذره الذي غرس في أرض مصر منذ أكثر من نصف قرن، حتى نتمكن من إصلاح ما فسد وإعادة الأمور إلى وضعها الصحيح والطريق الصحيح، ولم ولن يتم ذلك بذات آليات الفساد التي أدمنت الفساد واعتبرت أي محاولة للإصلاح موجه إليها، وتريد أخذ مكتسباتها التي جاءت نتيجة الفساد الذي تجذر واستشرى في مرافق الدولة كافة حتى الأجهزة السيادية أصابها ما أصاب القوم ولم يُستثن جهاز منها، ولقد أصبحت معظم إن لم يكن كل هذه الأجهزة من معاول هدم ومن أشد وأخطر آليات الثورة المضادة. وحتى نتمكن من استعادة سيادة واستقلال مصر قلب الأمتين العربية والإسلامية، وإلقاء الهيمنة والسيطرة الغربية وخاصة الأمريكية فى مزبلة التاريخ للأبد، يجب اتباع عملية إحلال وتجديد للآليات بآليات ووسائل جديدة، لذلك ينبغى على النظام الجديد استحداث آليات جديدة لعملية الإصلاح حيث لا إصلاح بآليات الفاسد ورموزه، لذلك لا بد من دفع داء جديدة فى المؤسسات السيادية فى الدولة تنقل هذه المؤسسات من مرحلة الفساد إلى مرحلة الإصلاح وتؤمن بالثورة وأهدافها، والحمد لله مصر بها من الكفاءات العلمية والعملية ما يكفى عملية الإصلاح ويزيد، علمًا بأن هذه الأجهزة السيادية بها من الأشخاص ما يمكن أن تكون نواة حقيقية لعملية الإصلاح إذا تم دعمها بعناصر ودماء جديدة ذات فكر جديد ومتقدم مؤمن بالثورة وضرورة الإصلاح. وبنظرة فاحصة للشارع السياسي المصري بعد الثورة، يتبين أن التيار السياسي الإسلامي يحتل نسبة كبيرة فيه، وقد أكد ذلك الانتخابات والاستفتاءات كافة التى جرت في العامين الماضيين، ولكن الغريب في الأمر، أن هذا التيار رغم وحدة منبعه، إلا أنه مفتت لأكثر من حزب أو جهة أو جبهة، ولا توجد فيه كتلة صلبة سوى جماعة (الإخوان المسلمين) مع العلم أن هدفهم واحد إلا أنهم اختلفوا، بخلاف التيارات غير الإسلامية فهي مترابطة ومتحدة وتتحرك ككتلة واحدة مع العلم بأن بينهما تناقضات بحيث ينفى ويعدم بعضهم البعض إلا أنهم اتحدوا في الهدف فوحدوا آلياتهم وجمعوا جهودهم، مع العلم بأنهم الأقل وجودًا فى الشارع السياسى المصرى إلا أنهم الأعلى صوتًا فيه. وقد صدر بيان ائتلاف القوى الإسلامية، الثلاثاء 5 فبراير 2013 م، طالب فيه الأجهزة الحكومية وعلى رأسها النائب العام بضرورة التمسك بالثورة والعمل على تحقيقها من خلال الالتزام بالقانون والشرعية، كما طالب من الإعلام بتحري (الدقة فيما يقال وينشر في الصحف والقنوات الفضائية، وألا يكونوا أبواقًا للفتنة) وحملهم مسئولية ما تتعرض له مصر لتبريرها أعمال العنف والتخريب، واعتبرها البيان رأس حربة الثورة المضادة، مما عرض اقتصاد مصر لمزيد من الضعف والأزمات الخانقة، وطالب ائتلاف القوى الإسلامية وزارة الأوقاف والجمعيات الدعوية كافة بتوجيه عموم المصريين إلى إعلاء قيم الرفق والحب ورفض أخلاق العنف والكراهية، وبيان حرمة الدماء والممتلكات العامة والخاصة، وتعظيم قيم الوطنية والحرص على سلامته، وتلك خطوة مهمة وممتازة فى طريق الإصلاح. بدايات عملية الإصلاح تتمثل فى وحدة التيارات السياسية الإسلامية فى كتلة واحدة خاصة فى الانتخابات القادمة للحفاظ على هوية مصر وعلى الثورة ولعدم سرقة الثورة أو انحرافها عن أهدافها أو قتلها بواسطة أعداء الخارج سواء على الصعيد الإقليمي أو العالمي، بالتواطؤ مع عملاء الداخل الذين تكتلوا فى جبهة واحدة. ومن أهم هذه الأجهزة القضاء والشرطة اللذان أصابهما ما أصاب القوم، علمًا بأنهما يضمان عناصر صالحة ومتميزة ومن ذلك حركة قضاة من أجل مصر، وبعض أفراد الشرطة الذين يؤمنون بضرورة الإصلاح على أسس قانونية وشرعية، تحترم آدمية وكرامة الإنسان المصري، يجب استثمار هذه الكفاءات في عملية الإصلاح في هذين الجهازين، ففي قانون السلطة القضائية نصوص تسمح بتعيين نسبة من المحامين فى القضاء في الباب الثاني الفصل الأول في تعيين القضاة وترقيتهم وأقدميتهم المواد من (38- 51) يجب تفعيل هذه النصوص، فبدلًا من عمل الدوائر في المحاكم كافة يوم أو يومين كما في دوائر الجنح والدوائر المدينة، كما أن محاكم الجنايات تعمل أسبوعًا واحدًا في الشهر، يمكن عن طريق النصوص سالفة الذكر تدعيم القضاء بعدد هائل من المحامين يسمح بعمل المحاكم بأكثر من يوم أو يومين فى الأسبوع بالتالي تنتهي مشكلة تكدس القضايا فى الدوائر، وتأخير الفصل فى القضايا حتى إن أي قضية تتداول فى المحاكم لمدة عامين على الأقل. كما أنه من الممكن قبول نسبة من المحامين فى الشرطة، مع منحهم دورة تدريبية في علوم الشرطة ندعم به جهاز الأمن العام والأجهزة الأمنية الأخرى، حيث إن مصر بها حوالي (220) قسم شرطة وأكثر من خمسين ألف ضابط، لماذا لم يتم تدعيمهم بمثل هذا العدد أو أكثر من خريجي كليات الحقوق والشريعة؟ حتى يتم تفعيل الأجهزة الأمنية لتحقيق الاستقرار فى الدولة وفرض الأمن فيها، حتى تأمن مصر من الانفلات الأمني المقصود وتستقر الأوضاع مما يفتح الباب واسعًا للعمل والإنتاج وتحقيق تنمية اقتصادية حقيقة، حيث أن الوضع الاقتصادي المتردي لا يمكن أن ينتهي دون استقرار وأمن. تلك أبجديات مهمة للوصول بالثورة المصرية إلى بر الأمان، ووضعها على الطريق الصحيح الذي ينتهي بتحقيق أهداف الثورة.