المشهد المصرى يوماً بعد الآخر يؤكد دون مواربة أن النموذج الفتحاوى فى التعامل مع السلطة المنتخبة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، يعاد استنساخه من جديد بشيء من التمصير. التجربة التى قدمتها حركة فتح الفلسطينية فى إفشال حركة حماس ذات التوجه الإخوانى، والتى فازت باكتساح فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية يناير 2006، كانت تعتمد على حرب المناكفات والاستفزاز، حتى وصل الأمر إلى اشتباكات واقتتال داخلى، فيما يشبه حرب استنزاف سياسى وأمنى واقتصادى، الأمر الذى تعيد إنتاجه جبهة الإنقاذ ضد الرئيس المنتخب محمد مرسى. أظن وليس كل الظن إثمًا، أنه لا يمكن بحال من الأحوال التغافل عن التقارب القائم جغرافيًّا وسياسيًّا على أرض الواقع بين الفريق الهارب أحمد شفيق، والقيادى الفتحاوى الهارب أيضًا محمد دحلان. شفيق ودحلان فى دبي، والثانى يعمل مستشارًا أمنيًا لحكومة دبى، ويتولى ملف الفلسطينيين المقيمين فى الإمارات، وقد جرى مؤخرًا استدعاء بعضهم للتحقيق معهم بتهمة التعاطف والانتماء لحماس، فضلاً عما يمتلكه من تجربة أمنية فى مواجهة حركة حماس، وتنغيص الموقف السياسى عليها، وافتعال الأزمات معها، وهى خبرات لا شك سيتطوع لتقديمها للفريق شفيق، لتكرار التجربة الفتحاوية مع الإخوان. الأمر ليس مجرد تخمينات، خاصة فى ضوء ما تسرب عن توجيهات إسرائيلية صدرت لبعض المقربين من مسار التطبيع مع تل أبيب، بوجوب إرباك مرسى داخليًا، وتحجيم قدراته، وإنهاكه فى أزمات أمنية ومعيشية، بحيث يظل رئيسًا ضعيفًا، أو رئيس جمهورية بدرجة رئيس وحدة إطفاء للتعامل مع أزمات الشارع المصرى. الحقيقة الماثلة أمامى أن جبهة الإنقاذ نجحت حتى الآن فى تمصير النموذج الفتحاوى، ودفعت مرسى وحكومته إلى ارتكاب عدد من الأخطاء، فى محاولة لاستنزاف الرصيد الشعبى الذى جناه عقب صعوده لسُدة الحكم من خلال الإطاحة بالمجلس العسكرى، وزيارة قنديل لغزة، وعدد من الزيارات الخارجية الناجحة. فى المقابل، جاءت حوادث القطارات وانهيار العقارات، وأحداث بورسعيد والاتحادية، وأزمة النائب العام، مع حملات إعلامية ضخمة من مارينز التوك شو، لتطيح بأسهم مرسى التى كانت تتجاوز أسهم البورصات العالمية، ما يؤكد اعتماد النموذج الفتحاوى لإفشال التجربة الإخوانية، خاصة بعد استبعاد إمكانية تكرار النموذج الجزائرى، وتدخل الجيش للإطاحة بما يسمى إعلاميًا "حكم الإخوان". حتى الآن تُبقى جبهة الإنقاذ على بصيص من الأمل ولو ضعيفاً، فى أن يعود الجيش لاعبًا رئيسًا فى الساحة السياسية.. بدا ذلك جليًا من دعوة الدكتور محمد البرادعى الفريق عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع للحوار، وبالتزامن مع ذلك تتواصل عملية التمصير للتجربة الفتحاوية، على أن تتحول بمرور الوقت إلى حرب استنزاف ضد مرسى، تدفع بالمواطن المصرى إلى حالة من اليأس والإحباط والندم على اليوم الذى انتخب فيه هذا الرجل. 70 قتيلاً خلال عهد مرسى، وطوارئ فى 3 محافظات، ومولوتوف فى القاهرة، وبلاك بلوك فى محطات المترو، وونش يحاول اقتحام قصر الاتحادية، وفيديو لمواطن مسحول، وفى المستقبل أخطاء أخرى يتم افتعالها، أو دفع السلطة لارتكابها، أو تورط بعض مراكز الدولة العميقة فى إخراجها، لتتواصل حرب الاستنزاف. من الآخر.. مرسى يخوض المعركة وظهره مكشوف دون برلمان منتخب أو حكومة منتخبة تقف وراء ظهره، ووسط تحديات أمنية خطيرة، وميليشيات سياسية وفضائية يُضخ لها المليارات، ومن الحكمة أن يفوت الفرصة على خصومه، وأن يجهض السيناريو الفتحاوى قبل أن يتحول إلى حرب استنزاف تتواصل خلال فترة ولايته الأولى. إعادة تشكيل مؤسسة الرئاسة، والاهتمام بشئون الصعيد، والتحرك جيدًا بين المحافظات الفقيرة والمهملة، وتوظيف الشباب، واتخاذ قرارات جريئة ضد الفساد، وإقرار الحد الأدنى والأقصى للأجور، وتنفيذه بشكل حاسم، وإحياء مشروع وطن نظيف، مع تقديم حزمة من الخدمات والفرص الاستثمارية لإنعاش جيوب المصريين، وإجراء حوار جاد مع الشباب وإشراكهم فى صنع القرار، وتوجيه خطاب صريح وكاشف للشعب، كفيل باستنزاف جبهة الإنقاذ، وتحويل كل من "البوب" و"واحد خمنا" إلى دحلان آخر.