من خادمكم المطيع جورج الثانى ملك إنجلترا.. كانت الأندلس.. وكان نص الرسالة, التى لا يصدقها عقل الجبناء: "من جورج الثانى ملك إنجلترا والغال والسويد والنرويج، إلى الخليفة ملك المسلمين صاحب العظمة (هشام الثالث) الجليل المقام، بعد التعظيم والتوقير.. فقد سمعنا عن الرُّقى العظيم الذى تتمتَّع بفيضه الصافى معاهد العلم والصناعات فى بلادكم العامرة؛ فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل؛ لتكون بدايةًً فى اقتفاء أثركم، لنشر أنوار العلم فى بلادنا التى يسودها الجهل.. من خادمكم المطيع جورج الثانى ملك إنجلترا". لكنها فرحة ما تمت.. ابتلعها غراب البين والنزاع وطار.. هشام الثالث حفيد عبد الملك بن مروان, نموذج غياب السياسة, وكل من لا يسوس الملك يخلعه الملك, وقد وضعه على عرش قرطبة أهلها بعد صداع النزاع والانقسامات.. بدأ هشام حكمه برفع الضرائب ليبنى المساجد, فضج الناس, فالدين ليس مجرد مظاهر وزيارات وقباب.. فالعبرة مقاصد الشريعة.. والدولة والدين يرتفعان بتنمية البشر, لا رص الحجر فوق الحجر.. اتخذ حكومة, انحصرت همتها فى الانتقام من فلول ذلك الزمان.. وانشغل الوزراء بالنعمة التى صاروا فيها محدثين، لم يهتموا بالناس, بقدر الاهتمام بالتغريد.. أو الحديث عن سفاسف الأمور.. انتهز أحد أمراء بنى مروان الفرصة.. فحاصر قصر الخليفة.. وساق العامة والرعاع.. وانتشر الرغى بالأسواق, وحدث الشغب.. حتى أخرجوا (هشام الثالث) من قصره.. هو ونساءه وأبناءه.. وأصبح الرجل الذى خاطبه ملك إنجلترا ب(سيدي) أسيرًا.. ذليلاً.. مخلوعًا.. ..والغريب أن أمية بن عبد الرحمن المعارض الذى حاصر القصر.. خرج هو الآخر من قرطبة كلها, ذليلاً مكسورًا.. بعد أن عاش حلم الإمارة.. وقال له أحد العوام ساخرا من بنى أمية: "إن السعادة قد ولت عنكم"، فقال أمية: "بايعونى اليوم، واقتلونى غدًا".. ..الحسد الذى قتل صاحبه قبل عدوه.. الحرص على الرياسة والقشور.. ولو ليوم واحد.. يقول لسان الدين بن الخطيب كما جاء بكتاب (تاريخ المغرب العربى فى العصر الوسيط): "ومشى البريد فى الأسواق, بألا يبقى أحدٌ بقرطبة من بنى أمية".. فاجتمع الناس وألغوا الخلافة.. المفجع.. بل الطبيعى أنه بعد سقوط الخلافة بخلع هشام الثالث.. تبعثرت الدولة فى ممالك الطوائف.. وانتهت شمس صقر قريش.. بسبب النزاع والجدل والحسد.. التعليق لكم.. twitter.com/mmowafi [email protected]