استمعت إلى المؤيدين والغاضبين من مبادرة حزب النور (السلفي) وتأييده لمطالب جبهة الإنقاذ، وذهب بعض الغاضبين وينتسبون بطبيعة الحال لتيار الإسلام السياسى إلى حد "التخوين" واتهام الحزب بالتحالف مع الليبراليين لقاء تحقيق نجاحات انتخابية. التحالف مع أى فصيل مغاير ليس مستهجناً فى عالم السياسة، وتغيير التحالفات أمر متعارف عليه، فلا تحالفات دائمة ولا خصومات دائمة، ولذلك لا أعيبه على حزب النور إن كانت تلك هى الحقيقة أو واحدة من أهداف مبادرته، لكن الاتهام بالتخوين سيوقف أقدامنا محلك سر خشية سوء الظن والحملات الكلامية، فلا نتقدم خطوة واحدة لحل أزمة يؤكد قائد المؤسسة العسكرية الفريق أول السيسى بأنها وضعت الدولة على حافة الانهيار. أنظر للمبادرة برؤية أخرى، فهى اختراق سياسى ممتاز من حزب سلفى متشدد لقواعد الليبرالية المتشددة بكل أطيافها متمثلة فى جبهة الإنقاذ. ولا أعنى بالاختراق الغلبة أو شل الآخر، ولكن الوصول إلى تفاهم غائب بين التيار الإسلامى والتيار الليبرالي، وبديهى أنه لا تفاهم بدون التقاء وحوار. فمن كان يتخيل أن نرى فى مؤتمر صحفى زعماء التيار المدنى أو الليبرالى جنبًا إلى جنب مع زعماء تيار يوصف بأنه أكثر التيارات الإسلامية تشددًا، خصوصًا فى مسألة المواد التى عليها خلاف بالدستور والتى كانت خضوعًا لضغوطه، خصوصًا المادة 219 التى تعتبر أساس رفض القوى المدنية والليبرالية ومعهم الكنائس القبطية للدستور الجديد. أهم استنتاجات هذا اللقاء الذى جمع قادة القوى الليبرالية واليسارية والاشتراكية بقادة حزب النور السلفي، أن هناك ما يمكن التوافق حوله والخروج به من الأزمة الراهنة، وأن مسألة التكفير أو النظر إلى الليبرالى أو اليسارى بأنه خارج من الملة لم تعد من أدبيات الدعاية السياسية للإسلاميين التى يتأثر بها بعض الناخبين. مبادرة حزب النور قد تحقق له شيئاً من النجاح الانتخابى بتحالفه مع الليبراليين، لكنها أيضًا تضع حدًا لحالة الاستقطاب العنيفة بين التيارين الممزوجة بالشكوك والتخويف، فلا نرى فى هذا الجانب "ليبرالو فوبيا"، أى التخويف من الليبراليين والتشكيك الدينى فى عقيدتهم أو خطابهم السياسي، ولا نرى فى الجانب الآخر "إسلامو فوبيا"، رافضًا لفكرة جلوس إسلاميين فى مقاعد الحكم. والأهم أن هذا الإقبال من حزب النور ومن بعض كبار دعاة السلفية على القوى المشكلة لجبهة الإنقاذ المطالبة أساسًا بتعديلات دستورية، يجعل من السهل إنجاز هذه التعديلات من غير "دوشة" كبيرة، خصوصًا المادة "219" التى أرى أن غيابها لا يشكل انتقاصًا من كون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، لكن وجودها خلق أزمة عميقة كان يمكن تفاديها على طريقة حزب النهضة فى تونس الذى تخلى عن إدراج الشريعة فى الدستور ليتفادى الخلافات والاستقطاب، مكتفيًا فقط بالنص على أن الدولة دينها الإسلام. إنه فقه الأولويات الذى يحقق المراد ويصون فى الوقت نفسه مصالح العباد. [email protected]