في مقال سابق للعبد الضعيف بعنوان ( بين الاستبداد والحرية نفوس ودروس ) جاءت فيه هذه الفقرة : ( إن عهد ما بعد الثورة وما تميز به من الحرية , ومن فتحِ الأبواب الموصدة , والنوافذ المغلقة , كشف عن عقول كنا نحسبها – في عهد ما قبل الثورة – ملاذا عند الأزمات والانهيار, فإذا بها – بعد الثورة – لمّا تبرح مطامع الصبا وأحلام الصغار , وضلّ عنها العقل وتاه عند مواطن الجد, وحسم الاختيار ..! كما عرّي نفوسا كنا نعدها – قبل الثورة – من المجاهدين المناوئين المكافحين الأخيار, فإذا بها - بعد الثورة – تتحالف مع كل ناعق حتى ولو كان من الحاقدين الناقمين المتربصين الأشرار ..) حقا ,لقد كان استبداد النظام البائد , وتقييده للحريات غطاء لكثير من تلك العقول التي كشفت أجواء الحرية عن تفاهتها وفراغها من كل فكر إلا من الصياح والنفاق والكذب ..كما كان الاستبداد سترا لنفوس تعرّت في أجواء الحرية من كل فضيلة واكتست بكل رذيلة ..!
رأينا هؤلاء قبل الثورة ينادون بالحرية , ولا يرون بديلا لتداول السلطة إلا بالمسيرة الديمقراطية فلما أكرمنا الله بالثورة , ونعم الناس بنعمة الحرية , وأصبح للدولة – ولأول مرة - رئيس منتخب باختيار حر وإرادة شعبية , نكصوا علي أعقابهم , وانقلبوا علي الشرعية , بطريقة همجية , تدعو إلي التصعيد والشحن والتحريض وإشاعة الفوضى , واستخدام العنف بطريقة دموية , لا لشيء إلا لأنهم فشلوا في التجربة الديمقراطية التي أتت بغيرهم , وتركتهم في العراء بلا رؤية , ولا قدرة علي الحشد والجمع عند صناديق الاقتراع بنزاهة وحرية .
وجاءت الذكري الثانية للثورة , وطمعنا أن يفخر الجميع ويحتفي بها , وبما جاءت به من نعمة الحرية , وعودة السيادة للشعب , وإحساسه بكرامته الإنسانية. فإذا بنا نسمع ونري تصريحات نارية , تدعو بهدم كل ما قام حتى ولو كانت إقامته بإرادة شعبية..! وتحركت جموع للتخريب , والاعتداء علي مؤسسات الدولة بإطلاق زجاجات المولوتوف الحارقة والكرات النارية ، ومن ورائهم مَن يدعو إلي التصعيد , وإشعال الفتنة , وإشاعة الفوضى بكل الوسائل الهمجية. فمنهم من دعا إلي احتلال مجلس الشورى , ومنهم من دعا إلي عصيان مدني , ومنهم مطالب قيادات الجيش بالقبض علي رئيس الجمهورية , ومنهم الذي مازال في ضلاله القديم يهرف ويقول : لن يعود الأمن لمصر إلا بدستور جديد وحكومة إنقاذ وطني.
وأخيرا , خرج علينا من يسمون ب ( البلاك بلوك ) التي تعترف بأن هدفها ضرب مؤسسات النظام , وتعلن علي أن مشاركتها جاءت لتحقيق عدة مطالب منها : إسقاط النظام، وتشكيل مجلس رئاسي لإدارة شئون البلاد، وحل مجلس الشورى، ومحاكمة مرسى وأعوانه من قتل الثوار، وحل جماعة الإخوان أسوة بحل الحزب الوطني ..
بيد أني أتساءل , ولعلك تتساءل معي , لم الانقلاب علي الشرعية ؟ ولم الافتئات علي إرادة الناس الشعبية ؟ أما كان أولي بهؤلاء أن يقفوا علي أسباب فشلهم, وينشغلوا ببناء أنفسهم , بدلا من انشغالهم بهدم غيرهم , وهدم ما قام من مؤسسات ؟!! ولعل الإجابة عن هذه التساؤلات تكمن في معرفة نفسية العاجز الفاشل إذا مات ضميره ..! إن العاجز الفاشل قلما يلوم نفسه بقدر ما يلوم غيره , ولا يهتم ببناء نفسه , بقدر ما يهتم بهدم غيره .. إنه منهج إبليس من قديم , الذي لام ربه الذي خلقه ولم يلم نفسه , وأخذ يتوعد آدم وبنيه بالإغواء والتضليل. " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ " الأعراف ، الآية 16، 17 كما أنه منهج الفشلة الذين انطبعت نفوسهم علي الشر والإيذاء .. تأمل ما صدر عن ( ابن آدم ) الذي لم يُتقبل منه قُربانه , فبدلا من أن يبحث عن أسباب فشله , ويصلح من شأنه نفسه , اتجه إلي هدم بنيان أخيه فقتله .! " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ " .. " فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" المائدة , الآيات 27-30. حقا , إنها نفسية العاجز , إذا فشل ومات الضمير , فلم يبق عنده – إذا تمكن - إلا الهدم والتخريب والتدمير .!! _______________ * داعية ، وباحث في الفكر الإسلامي أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]