تعلمنا فيما مضى قيمة الثبات على المبدأ، لكن الإعلام المصرى يعطينا الآن درسًا فى الثبات على المنتهى، والمنتهى هنا يعنى الهدف، والهدف ليس إلا إسقاط الرئيس وجماعته، لا يهم المبدأ ولا الوسيلة، المهم تحقيق الهدف. يبث الإعلام المصرى على اختلاف وسائله خليطًا كريهًا من الكذب والبهتان بغرض الإحباط، لو مزج بماء البحر لمزجه، ولو وزع على أهل الأرض لوسعهم، يقول الشيخ العريفى خلال زيارته الأخيرة للقاهرة " والله لا أعلم بلدًا تعرضت للمؤامرات والحرب الإعلامية مثل الذى تعرضت له مصر". يرفع الإعلام المصرى أهدافًا كثيرة ينسبها للثورة، ويُفرد الساعات واللقاءات مطالبًا بتحقيقها، فإذا ما عمل الرئيس وحكومته على تحقيقها، ليست منة منهم، ولكنها فى الأساس مطالب شعبية لازمة لتغيير حياة المواطنين للأفضل قبل أن تكون مطالب ثورية، أصبح التغيير لحاجة فى نفوس أعضاء مكتب الإرشاد، النائب العام مثالًا. فى مصر تقدم الإعلام تقدمًا ملحوظًا لدرجة أنه يستطيع أن يعلن عن الكارثة قبل وقوعها، فإذا لم تقع فبفضل فراستهم وتحذيرهم، وإذا وقعت شقوا الجيوب ولطموا الخدود ونصبوا سرادقات العزاء والمتهم معروف: الرئيس وجماعته. يتعامل الإعلام فى مصر مع الرئيس وحكومته بمبدأ الزمالكاوى المتعصب الذى يدعو الله ألا يحرز عماد متعب هدف الفوز للمنتخب الوطنى، لأنه مهاجم الأهلى، أو بمنطق الأهلاوى المتعصب الذى يرجو أن يخسر منتخب بلاده لمجرد أن مدربه هو الزمالكاوى حسن شحاتة. يقبح الإعلام كل جميل، ويشوه كل حسن، لا يحترم مهنية، ولا يفهم موضوعية، خذ مثالًا على ذلك حربهم على الدستور، التى أظن أن فترة الأسبوعين من إعلان الرئيس طرحه للاستفتاء، وحتى موعد التصويت لم تكن كافية لتسميم الأجواء بصورة كاملة، وصف الدكتور جمال جبريل - أستاذ القانون الدستورى وعضو اللجنة التأسيسية - ممارسات الإعلام قائلًا: " لو كانت ضد كتاب مقدس لألحد به كثير من الناس، فما بالنا بكتاب من صنع بشر". يصور الإعلام كل معارض للرئيس على أنه ثورى من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، وأن حياته بدأت إكلينيكيا يوم 25 يناير 2011 ، حتى لو كان قبلها عضوًا فى لجنة السياسات بالحزب الوطنى، أما كل مؤيد للرئيس فهو إما إخوانى أو شبه إخوانى أو متعاطف مع الإخوان، أو ساكن فى شارع يمر منه أحد الإخوان كل يوم صباحًا ومساءً. لقد شبه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الإعلاميين بسحرة فرعون، وأرجو أن يعتذر الرجل عن هذا التشبيه، لأن فيه إساءة بالغة للسحرة، فقد أصبح السحرة مؤمنين بفرعون كافرين بالله، ولما ظهر لهم الحق جليًا، أمسوا بالله موحدين، وعلى البلاء صابرين. وها هى الليالى والأيام والشهور تمر على الإعلاميين المصريين، ليتبدى لهم كذب أساطيرهم وبطلان أراجيفهم، فلا تقطيع أيادى أو آذان، ولا إغلاق لمسارح أو سينيمات، ولا تغطية لشعور النساء بالقوة، حتى أن أحدهم أخذته العزة بالإثم عندما حاول واحد من ضحايا أكاذيبهم أن يرد عن نفسه، فرد عليه قائلا "أنا زبالة يا أخى، إنت مالك"! رغم كل هذه الممارسات، إلا أن يقينى فى موعود الله لم يتزحزح " إن الله يدافع عن الذين آمنوا ، إن الله لا يحب كل خوان كفور" ، وسوف يأتى اليوم الذى يسبح فيه هؤلاء الأفاكون بحمد الرئيس وجماعته، لأن المنافق لا دين له، يحدث هذا فقط عندما يتوقف ضخ الدولارات، وإن غدًا لناظره قريب. [email protected]