ذقت الغربة لثلاث سنوات خارج الوطن, ويذوقها كثيرون داخل الوطن,علمتني الغربة أشياء رائعة و مؤلمة.. وجعلتني أكتشف مفاجأة ربما تغضب من لم يغترب, أن محبتنا لمصر ونحن خارجها, تفوق محبتنا لها و نحن بشوارعها... لذلك لم أستغرب خبرًا قرأته عن ارتفاع ملحوظ لتحويلات المصريين بالخارج.. أغلبهم لو استطاع لحول دماءه, حتى يفيض النيل.. هذا البلد.. كنت من أشد الحانقين عليه قبل سفري, عشت بالتكييف, والأسواق العالمية, وضج حسابي بالبنك, وتعلم أطفالي تعليمًا أكثر نفعًا, وكنت أردد -و أعلم أني على نفسي أكذب- أن الفقر في الوطن غربة, والغني في الغربة وطن... كنت أجلس مع نفسي, لأبحث عن كل شيء سيئ في مصر, لإطفاء جمرات اشتياقي.. ووعدت مصر ألا أشتاق, واشتقت.. والحمد لله أني كذبت, ووعدت مصر ألا أعود وعدت, فالحمد لله أني لم أصدق في وعد الجحود.. سيارتي كانت رفيق غربتي.. أطوف بالشوارع.. ومعي ( منير) يُعدد: "شعرك خيوط قمر المسا / طب ليه فى ليلك بتنسى".. ..أول مرة جربت تعب القلب من قهر المحبة, وجهاد الصبر, وأنا أعاتب البحر, كيف التقم أكثر من ألف مصري في العبارة السلام... السلام هو الله تعالى القادر أن يجعل قعر بحره أوسع للفقراء وأرحب وأجمل.. قلت للبحر: "أمانة يا بحر تستلم الأمانة.. أحبابنا يا بحر في بطنك أمانة..".. في الغربة بكيت أشخاصًا لم أكن أتخيل أن أبكيهم أبدًا... بكيت الفنان أحمد زكي.. لأن مسكينًا آخر قضى بالورم, الورم طال الأغنياء والفقراء.. طال مصر بنت الأنبياء.. في الغربة.. ظللت ساكنًا لم أغير شكل جلوسي لساعات, وأنا موجوع بقراءة رواية يوسف القعيد "وجع البعاد".. عاتبته عندما تعشينا معًا على الوجع.. كنت كلما رأيت تقدمًا في بلاد النفط.. همست لنفسي "يا عيني عليك يا بلدي".. اكتشفت وأنا خارجها أنها رائعة.. شهية الحسن رغم قبحهم, وعظيمة الكبرياء رغم خزيهم.. وأنها أنا وأنا هي.. وأن الزعيم مصطفى كامل, لم يمت بداء السل.. بل ذابت روحه عشقًا.. المقال اقترب من محطة الوصول لسطر المحبة.. ولو هناك مساحة لكتبت أنهارًا من دمع السطور... فيكفي أن أبعث برسالة لكل المصريين بالخارج: أعرف الحروف السرية لتحويلاتكم المصرفية.. إنها "ع..ش..ق".. ومصر تبلغكم ألف ألف سلام.. أيها الرائعون الكرام. twitter.com/mmowafi [email protected]