نجد الإدارات الحكومية فى مصر تسير على روتين معين لمدة عشرين سنة تقريبًا ولا تتقدم خطوة واحدة للأمام رغم كل الفرقعات والهياجانات والدعاية التى تحاط بها، بينما نرى كمًا من الدول العربية أو غير العربية تقدمت فعليًا وليس بالهمبكة والشهيصة والفهلوة مثل دول كالإمارات وقطر وماليزيا وجنوب إفريقيا ... وغيرها، وبعد أن كنا فى مقدمة الركب صرنا فى ذيل القائمة، بالرغم من كثرة مواردنا المالية والطبيعية والشباب الملىء بالحيوية. أصبحنا نمثل الإدارة المتخلفة الأولى فى العالم كله، بعد أن كنا من أوائل العالم فى الإدارة، دعونا نرى الرعيل الأول فى الإدارة كمثال وهى إدارة سيدنا عمر بن الخطاب، ففى كتاب "الفاروق فى الإدارة والسياسة"، أو "الفاروق فى الإدارة والقضاء"، وانظر كيف كان يفعل وكيف كان يتعامل فى المواقف الإدارية وهو الذى رضى الله عنه وأرضاه، لم يتخرج من جامعة إكسفورد أو الجامعة الأمريكية، أو أى جامعة عالمية فى وقتنا الحاضر. إن الأساتذة الأكاديميين لم يعملوا على تعريف مفاهيم الإدارة المتعددة فى البيئة المصرية، والحقيقة أنها أزمة حقيقية قابعة وقاطبة قى مصر إلا ما رحم ربى. هل نكون نحن المسئولين عن تبنى مشروع ضخم فى الإدارة؟! أم أن الجامعات وأقسام الإدارة هى المسئولة عن هذا؟! ونجد فى مصر عدة نماذج للإدارة المتخلفة، فنجد النموذج الإدارى التقليدى السائد وهو النموذج الذى يقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. هو النموذج التقليدى الذى لا يقبل الحوار ولا النقاش، ويتكتم على جميع أعماله ويعتبرها أسرارًا مقدسة، ولو أن بعضها يختص بشأن عام يحق للمواطنين حسب المعايير العالمية السائدة أن يطلعوا عليه استنادًا إلى مبدأ الشفافية وحقوق المواطنين فى الحصول على المعلومات. كما أن ثقافة المجتمع مبنية على المحافظة وممنوع الكلام وإبداء الرأى، لأن الآخر لا يعرف الرد ويعتبره إهانة شخصية!! حيث نجد كثيرًا من الإداريين فى المجتمع يلبسون الأقنعة أمام وسائل الإعلام ويخافون الانفتاح الفكرى على المجتمع. لأنهم يعتقدون أن الانفتاح كالزلزال تمامًا. ونجد أيضًا نموذجًا آخر وهو النموذج الإدارى المنغلق والذى يعزز الفئوية والمناطقية وتحول المجتمع إلى طبقة غنية عليا وطبقة فقيرة كبيرة دنيا!! لأن الإداريين التقليديين فى جميع المجالات يحبون ويعشقون التكبر وإظهار مدى ضخامتهم!! ويعتقدون بوجوب أن يتميزوا عن الآخرين فى كل شيء، خصوصًا فى عدد خانات أرقام حساباتهم البنكية..!! وبالتالى نجد أنفسنا أمام النداهة التى تنادى لإنشاء أكبر موسوعة للفساد المالى. فى الواقع إن الطامة الكبرى تكمن فى رأس الهرم فى هذه الشركة أو تلك، أو فى رأس هذه المنظومة أو تلك، وفى اعتقادى أن من أهم الأسباب المؤدية لذلك غياب الشفافية ووضع الحواجز الخرسانية بين الإدارة العليا والمتوسطة والدنيا فى هذه المنشأة أو تلك، كذلك غياب الاحترافية فى المهنة ثم الفساد الإدارى الذى يغلب المصلحة الخاصة على العامة. ونأتى إلى العامل الأهم والأقوى، وهو عدم الفصل بين العلاقات والمجاملات الشخصية والاجتماعية من ناحية، ومصلحة المنشأة من ناحية أخرى، كذلك يكمن الخطر فى الفوضى وليس فى الفساد فقط, فى الجوع وليس فى الفقر فقط، ولعل ذلك أخطر أنواع الفساد السلبية وعدم الحراك. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]