يحظى الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل بحب واحترام وتقدير قطاع عريض من الناس في عالمنا العربي كله وليس في مصر فقط. بل لا نبالغ إن قلنا إن مكانته المرموقة لا تقف عند حدود العالم العربي. وإذا كان هذا التقدير يشمل كل الناس فإنه بلا شك يكون تقديراً من نوع خاص جداً لهيكل من جانب أبناء مهنته. ولعله من النادر أن يكون لكاتب ما محبوه وحواريوه في بلاط صاحبة الجلالة رغم كل هذه السنوات التي مرّت وهو خارج مؤسسات العمل الإعلامي «الرسمي على الأقل». لكنه بالتأكيد لم يكن خارج السياق الزماني أو التاريخي، كما لم ينفصل يوماً عن قضايا أمته وهمومها. وتزداد مكانة هيكل مع هذا الحضور والتألق الذي يزداد بريقاً ولمعاناً في كل لقاء يطل به على جمهوره العريض. كل هذه المكانة الرفيعة والحضور القوي لا يعني عدم الاختلاف معه في بعض ما يطرحه من آراء وأفكار. كما لا يعني بالضرورة الاتفاق الكامل مع كل ما يقوله. بل إن قيمة هيكل داخل نفوسنا تجعلنا أكثر حرصاً على أن تكون لكلماته وآرائه وقعها الذي تنتظره كل جماهير الأمة وخاصة في هذه الظروف الحاسمة من تاريخ أمتنا. إن كل كلمة في هذه الظروف وخاصة عندما تأتي من شخصية في وزن هيكل ومكانته يكون لها ما بعدها. تحدث الكاتب الكبير في لقائه الأخير عبر شاشة الجزيرة عن سقوط شرعية ثورة يوليو 1952 بهزيمة يونيو 1967، كما تحدث عن سقوط شرعية السلام التي أعقبت حرب أكتوبر المجيدة. وبالفعل سقطت هذه الشرعية سقوطاً ذريعاً. كل هذا لا خلاف عليه، ولكن الذي لم نفهمه من لقاء هيكل الأخير تلك النغمة عن الشرعية الجديدة التي تأسست في مصر عام 1981. فإذا لم تكن هذه الشرعية تستند إلى ثورة يوليو ولا إلى حرب أكتوبر أو حتى اتفاقيات السلام، فإلى أي شيء تستند. وأي دور يُحسب لها من وجهة نظر هيكل؟ وإذا كان الوضع كذلك فعلى أي أساس يدعو أو حتى يوافق على استمرار الأوضاع على ما هي عليه مهما كانت الشروط التي يضعها؟ إنها ليست المرة الأولى التي تطالب فيها القوى الوطنية بمثل هذه المطالب. لا أحد يختلف على أن مصر تمر بمرحلة حاسمة في تاريخها وأنه يتعيّن على القوى الوطنية أن تأخذ بزمام الأمور ولا تسمح لأية قوى خارجية أو متربصة أن تجرّنا إلى المجهول. إن أحداً ليس بمقدوره أن يهرب من أوضاع سيئة ليلقي بنفسه في أوضاع أكثر سوءاً. أو أن يهرب من فساد ليقع في قبضة استعمارية ترتدي قفازات ديمقراطية ناعمة، ولكن أحداً في الوقت نفسه لا يقبل أن يكون بقاء الحال على ما هو عليه، أو أن يتحوّل التغيير إلى فزّاعة، كالقوى الإسلامية التي تحوّلت إلى فزّاعة. لا يمكن أن يكون التغيير والخوف من المجهول القادم فزّاعة جديدة تخيف دعاة الإصلاح. وأعتقد أن الكلمة الحاسمة في كل هذا يجب أن تنطلق بها قوى وطنية حقيقية من داخل النظام ومن خارجه أيضاً، فيما يشبه جبهة إنقاذ وطني. --- صحيفة البيان الاماراتية في 21 -6 -2005