تستحق الافكار التي تضمنتها محاضرة وزيرة الخارجية الامريكية في الجامعة الامريكية في القاهرة يوم الاثنين الماضي، والتصريحات التي أدلت بها خلال جولتها في عدد من الدول العربية واسرائيل وقفة طويلة معها لما انطوت عليه من طروحات جديدة للسياسة الامريكية تشكل تغيرا ملموسا في أولوياتها الشرق اوسطية، فبعد ان كان تركيزها على الاستقرار الذي اعتمدته طوال ستين عاما على حساب الديمقراطية، وتغاضت في سبيله عن الكثير من الممارسات التغييبية لحقوق الانسان وحرياته العامة، والتعامل معه بأساليب قمعية من قبل انظمة حكم فردية وشمولية كان لا همّ لها سوى ترسيخ سلطاتها وتوسيع صلاحياتها وفرض مواقفها وأحكامها على شعوبها، بغض النظر عن رغبات تلك الشعوب وتطلعاتها، تلك السياسة التي اقرت الادارة الامريكية بخطئها في اتباعها وفق ما اعترفت به كوندوليزا رايس، لم تحقق لها ما سعت الىه من استقرار، مما حدا بها الى اتباع مسار جديد في سياستها تركز فيه على الديمقراطية كأولوية لها بحيث توفر الدعم الامريكي للتطلعات الديمقراطية لجميع الشعوب بما يضمن ان تقوم الحكومات بصون الحقوق الاساسية لجميع مواطنيها، كالحق في حرية الكلام والحق في الاجتماع والحق في العبادة وحرية التعليم، فالولايات المتحدة -وكأنها وصية على دول المنطقة- لم تعد تقبل بحجج الحكومات العربية التي تلوح بخطر وصول تنظيمات اسلامية او قومية متشددة الى الحكم في حال اجراء اصلاح ديمقراطي جذري في العالم العربي، اذ انها تعتبر الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة لمواجهة العنف والتطرف، وهي السبيل الى تحقيق العدالة الدائمة في المجتمعات التي يشكو مواطنوها من المظالم، وان الخوف من الخيارات الحرة لا يمكن ان يكون مبررا لرفض الحرية. ان المسار السياسي الجديد للولايات المتحدة يأخذ جانب الشعوب وتطلعاتها، وعلى هذا الاساس وجهت رايس انتقادات شديدة لعدد من الدول العربية وايران لعدم تعميمها للنهج الديمقراطي بكل متطلباته، بينما اشادت بما حققه الاردن من اصلاحات تبناها جلالة الملك منذ سنوات، وأثنت على الاصلاح في قطاع التعليم واعتبرته انموذجا في المنطقة وقالت ان الحكومة تتحرك باتجاه الاصلاح السياسي الذي سيؤدي الى عدم تركيز السلطة ومنح المواطنين نصيبا اكبر في صنع مستقبلهم. ولكي لا يبقى الدعم الامريكي لتطلعات الشعوب في الاطار النظري فقط، لا بد ان يجري تطبيقه على جميع شعوب المنطقة بما فيها شعب فلسطين الذي يتطلع منذ اكثر من نصف قرن لنيل حريته واستقلاله وممارسة حقه في تقرير مصيره وبناء دولته الديمقراطية، وبما فيها ايضا شعب العراق الذي يتوق الى ترسيخ امنه واستقراره وصون وحدته وتحرر وطنه من الاحتلال ومن تبعات التدخل الخارجي في شؤونه. ان معايير الحرية والديمقراطية تتطلب التوازن تنظيرا وتطبيقا لكي يمكنها التغلب على الكراهية والانقسامات والعنف وان الممارسة الديمقراطية عبر الانتخابات الحرة النزيهة في وطننا العربي يجب ان تشمل جميع الحركات والاحزاب السياسية، الدينية منها والقومية، دون اقتصارها على فئة دون اخرى، فطالما جرى اعتماد الخيار الديمقراطي وقبل به الجميع، فلا بد من تقبل نتائجه واستيعابها بمرونة وانفتاح، وعلى الادارة الامريكية التي لا تقبل من الحكومات اي تبرير لفرض الخيارات الحرة ان لا توافق اسرائيل على وضع »فيتو« على مشاركة حماس والجهاد الاسلامي في الانتخابات التشريعية في فلسطين، والا تضع هي »فيتو« على مشاركة حزب اللّه في الحياة السياسية في لبنان، فإذا كانت الديمقراطية سبيلا للعدالة الدائمة -كما تقول كوندوليزا رايس- فيجب ان تكون متاحة للجميع دون اي استثناء. ---- صحيفة الدستور الاردنية في 23 -6 -2005