الفكرة دائمًا هي أبقى من أشخاص معتنقيها. هذه إحدى حقائق الفكر في التاريخ الإنساني، ولا يرد عليها إلا ما يرد على كل قاعدة من استثناءات تؤكد القاعدة بأكثر مما تنفيها. والإخوان المسلمون ليسوا جماعة أو هيكلًا تنظيميًّا محكمًا دقيقًا مرنًا بقدر ما هو فكرة مضيئة يحتويها هذا التنظيم ويضمها في ثناياه هذا الهيكل. هي فكرة تعمر القلوب والضمائر، وتحرك الأشخاص والأفراد إلى غاية هي الأسمى في المنظور الإسلامي الصحيح، إنها غاية وصل الأرض بهدي السماء في العقيدة وفي العمل، وصولًا بالحياة إلى حقيقتها الأنقى ومبتغاها الأحق بالاتباع والنضال والتضحية من أجله. وانطلاقًا من قناعتي بهذه الرؤية رحت أبحث عن أسباب أو مبررات أو ذرائع لهؤلاء الذين كانوا ينتمون إلى الإخوان المسلمين على اختلاف مواقعهم في الهيكل التنظيمي للجماعة، ثم انسحبوا منها، فلم أجد لهم إلا أن موقفهم بهذا الانسحاب إنما كان صادرًا عن ضعف كامن في شخصياتهم وقلوبهم عن أن يقبضوا على جذوة الفكرة التي تعنيها جماعة الإخوان المسلمين، وأيًا ما كانت الاتجاهات التي انسحبوا من الجماعة خارجين إليها، فهل ترقى هذه الاتجاهات والغايات والقيم إلى مستوى أن توضع في مقارنة –من ضمير يحمل الإسلام– بينها وبين سمو ونبل الغاية التي تنطلق إليها جماعة الإخوان المسلمين من بدء منشئها وطوال تاريخها؟؟ يقينًا: لا! والأنكى في موقف هؤلاء المنسحبين أنهم لم يكتفوا بمفارقة حضن الجماعة الذي يحضن فكرتها الأنبل، بل إنهم قد مالوا إلى الضد والنقيض في معسكر من دعاوى زائفات زائغات، ذاك هو المعسكر الذي يقطع ما بين الأرض والسماء تحت اسم فصل الدين عن الدولة بل عن الحياة. ولهذا المعسكر سبل للحرب على الفكرة الإسلامية التي تجسدها جماعة الإخوان المسلمين معروفة، ومن أشهرها منابر الإعلام الزاعقة الصارخة، مثل: CBC , ONTV والحياة، ودريم، والتحرير، وصدى البلد، والقاهرة والناس، أعلام البراغيت التي لا تنطلق ولا تبغي الوصول إلا إلى هدم الفكرة النبيلة فكان أن تلقف هذا المعسكر هؤلاء المنسحبين وظن أنه قد وقع بهم على صيد ثمين أو على معول صلب لهدم الفكرة ومناصبة الجماعة العداء من خلالهم، فأفسح لهم صدرًا رحبًا وساعات على شاشاته وصحفه الصفراء يتقولون على الجماعة وفكرتهم الجامعة، ويتخرصون ويطلقون ألسنتهم في الجماعة بالباطل وبالأشد بطلانًا، ابتغاء غاية هي إحدى أرخص ما يمكن أن يبتغيه إنسان، وإحدى أعضل ما يمكن أن يصيب النفس الإنسانية من مرض، تلك الغاية هي حب الظهور وأن يكون الواحد منهم محط الأنظار ومسمع الأذان. وإلى هؤلاء الذين هووا في مثل هذا المنحدر أتوجه بسؤال لعله يكون جسرًا يعبرونه من جديد إلى حضن الجماعة الجامعة إن كان في عقولهم وقلوبهم بقية من يقين بالفكرة الإسلامية: هل كان هناك وجه لخلافكم في الرأي مع الجماعة وليس في آليات التنظيم ومبادئ الشورى التي يخطو على هداها سبيل إلى حله وتقريب وجهات النظر فيه؟؟ إن قيمة الشورى الإسلامية الراسخة والتي اتخذتها الجماعة – منذ نشأتها– سبيلًا تنظيميًّا محكمًا لهي أوسع من كل خلاف وقادرة على احتوائه إذا خلصت نوايا المتخالفين في ابتغاء صالح الأمة، وهذا هو أحد أسرار تماسك الجماعة وصمودها لكل ما اعترض تاريخها من محن كان يكفي أقل منها بكثير ليعصف بأي تجمع بشري آخر ما لم يكن له مثل يقين جماعة الإخوان المسلمين في تجسيدهم للفكرة الإسلامية. لهذا، وفي استشراف لصالح الأمة، وفي استقراء لما أفرزته نتائج الانتخابات المتتالية في هذه الحقبة بعد ثورتها المباركة من تصدر خيرة الناس من التيارات الإسلامية وعلى رأسهم الإخوان المسلمون لنتائج هذه الانتخابات؛ فإن السؤال السابق يبقى مطروحًا على هؤلاء المنسحبين الذين امتلأت وجوههم غضبًا وإفكًا مبينًا إن يكن ما زال في عقولهم وضمائرهم – كما قلنا – بقية من يقين في الفكرة الإسلامية، ويبقى جسرًا بإمكانهم العودة عليه إلى حضن الجماعة والفكرة التي هي دائمًا أبقى من أشخاص معتنقيها.