أحدثت الاستقالة التي أعلنها الكاتب الصحافي إبراهيم سعدة رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير «أخبار اليوم» المصرية ردود فعل متباينة في الوسط الصحافي المصري وخارجه. وازدادت ردود الفعل اتساعاً مع إعلان كاتب آخر لا يقل وزناً هو مكرم محمد أحمد، نقيب الصحافيين الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال، انه سبق وأن قدم استقالته هو الآخر ولكنها لم تقبل. كلام جميل ويمكن تصديقه، خاصة وأن لكل منهما مكانته الكبيرة في بلاط صاحبة الجلالة وفي الحياة السياسة المصرية بشكل عام، ولكن توقيت هذا الإعلان للأسف الشديد لم يكن في صالحهما. ان تأخير الإعلان إلى هذا الوقت قد يسيء الى تاريخهما أكثر من أي شيء آخر. وإذا كان البعض يعتبر إعلان الاستقالة ضربة موجعة للنظام فإن البعض الآخر يعتبره محاولة للنجاة بالنفس قبل فوات الأوان، بينما يعتبره فريق ثالث محاولة يائسة لتبييض صحيفة الاعمال مما علق بها على مدار العقود الماضية. وهكذا تباينت ردود الفعل على الاستقالة وان اتفقت جميعها على انها خطوة كبيرة بتوقيت في غاية الدقة والحساسية. وبغض النظر عن آراء الناس في الاستقالة فلاشك انها كانت مثل حجر كبير ألقي في بحيرة راكدة آسنة منذ نحو ثلاثة عقود لم تشهد أي نوع من التغيير، رغم التحولات الهائلة التي شهدتها المهنة. وهو الأمر الذي انعكس على الصحافة المصرية وأساء كثيرا إلى تاريخها العريق. إن صحافياً مثل مكرم محمد أحمد عرفناه صحافياً شجاعاً ونقابياً بارعاً.. اختلفنا معه كثيراً أثناء توليه منصب النقيب، ولم نفقد احترامنا له كمهني ونقابي، فلم يتعامل من برج عاجي رغم كونه نقيباً حكومياً ورئيساً لمجلس إدارة مؤسسة قومية. أما إبراهيم سعدة فإنه لم ينغمس في العمل النقابي وظل متربعاً على عرش «أخبار اليوم» طوال هذه العقود. إنني بلا شك اختلف مع هذه القيادات الصحافية الكبيرة كواحد ممن كان يطلق عليهم «جيل الشباب» ومع هذا فإنني أرفض الإساءة إليهما أو غيرهما من قيادات المؤسسات الصحافية المصرية. أختلف مع هذه القيادات ومع أسلوب إدارتها وطريقة عملها التي كرست قيماً ومعايير أبعد ما تكون عن المهنة. قيماً تقدم جمع المال على أداء الأمانة. قيماً تعتبر الصحافة وسيلة للكسب وليست رسالة سامية. ورغم هذا لا أقبل الإساءة إليها كرموز للمهنة أدت دورها، وإن اختلفنا معها بنفس الدرجة التي أرفض بها استمرارها في مواقعها طوال تلك العقود. وكم كنت أتمنى أن تكون مبررات الاستقالة هي إفساح المجال للأجيال الجديدة بدلاً من حجة تطاول الزملاء عليهم. فهذه المطالبات لم تتوقف منذ سنوات طويلة وهو ما ينفي كونها مبرراً للاستقالة. وكم كنت أتمنى ألا تكون الخلافات مع وزير الإعلام الجديد هي السبب الرئيسي وراءها.. وليس كل ما يتمنى المرء يدركه طبعاً. ------ صحيفة البيان الاماراتية في 28 -6 -2005