حصيلة أسبوع واحد: "سائق" يمزق جسد "نقاش"، بعدما انهال عليه بالطعنات، وتركه جثة هامدة أمام المارة فى "أبو زعبل"، مسجل خطر يفتعل مشاجرة مع سائق شركة أسفل محور المنيب، ويسرق من سيارته ربع مليون جنيه، فى الوراق.. 3 أشقاء أحرقوا ربة منزل بزجاجات بنزين مشتعلة بسبب خلافات الأطفال، وفى مدينة السلام.. "نجار" ينصب كمينًا ويقتل مواطنًا بسلاح نارى بسبب معاكسة بنات المنطقة، كما بتر ذراع عاطل بالساطور بعد مشاجرة بسبب حضانة طفل، فى حلوان.. أحداث شغب واستخدام أسلحة نارية بسبب تهدم سور مدرسة نتج عنها وفاة سيدتين وإصابة آخرين، خطف طفل عمره ست سنوات من الجيزة بسبب قضية خلع، وأخيرًا.. تم العثور على تاجر وزوجته مشنوقين أمام رضيعهما داخل شقتهما فى الإسكندرية. هل تشعر بالفزع نتيجة هذا الكم الهائل من الحوادث؟ هل تشعر بعدم الأمان بعد هذه الجرعة المكثفة من الجرائم، التى تؤكد وجود فوضى عارمة فى البلد؟ إذن فدعنى أقدم لك المفاجأة.. فكل ما سبق من أخبار هى حصيلة خمسة أيام من الحوادث، ولكن قبل الثورة بما يزيد عن شهر، وبالتحديد فى الفترة من الأول إلى الخامس من شهر ديسمبر 2010، أى فى أقوى فترات الجبروت الأمني، والتواجد المكثف للشرطة فى كل بقاع مصر. هكذا هو الإعلام يا صديقي، بمجرد أن قمت أنا بتجميع هذه الأخبار وتركيزها فى وقت واحد، كان ذلك سببًا فى تغيير المزاج العام للقارئ، فوصل إليك هذا الشعور بالفزع، صحيح أن الأمن لم يعد لممارسة مهامه بالشكل المطلوب بعد؛ وما زال هناك الكثير الممارسات العشوائية التى لا يحكمها ضابط، إلا أن ذلك كله لا يعنى أن البلد تعيش فى الفوضى التى حذرنا منها الرئيس السابق "مبارك" عندما قال فى خطابه قبل الأخير: (علينا الاختيار بين الاستقرار معى أو الفوضى)، كما أنه لا يعنى أننا فقدنا الأمل فى عودة النظام والتحضر مرة أرى لحياتنا، ونفس الأمر يظهر جليا فى الأزمة الاقتصادية وشائعات إفلاس مصر التى ظهرت فجأة وبدون أى مقدمات أو أحداث فى اليوم التالى لظهور نتائج استفتاء الدستور، وكأن المعركة التالية للإعلام هى لعبة الاقتصاد، والتركيز على الأخبار السلبية فيه، وذلك على الرغم من أن خبراء الاقتصاد يعرفون جميعًا أنه لم يطرأ أى جديد على اقتصاد مصر فى خلال العامين الأخيرين. إنها ثقافة تنتشر كالعدوى سريعًا يا عزيزى، هذه الثقافة بدأت من اليوم التالى لنجاح الثورة حينما شعر المصريون أنهم قادرون على تحقيق النجاح وإزالة أكبر رأس للنظام من خلال وحدتهم، وتجمعهم العددى الكبير فى مكان واحد، ولكن الوجه الآخر لهذا النجاح هو شعور البعض أنه يمكنهم من خلال تجميع أكبر عدد ممكن فرض الرأى بالقوة، فظهرت ثقافة المليونيات التى استطاعت ممارسة ضغوط على المجلس العسكرى استجاب من خلالها للكثير من مطالب الشعب فى حينها، ولكن هذه الثقافة انتشرت أيضًا فى الكثير من شرائح المجتمع، فسادت سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، وتجلى ذلك فى الاعتصامات والمطالب الفئوية التى تطورت إلى قطع للطرق، ثم تطورت إلى ظاهرة البلطجة التى هى امتداد لنفس الثقافة ولكن من الوجه السيئ. الحل بسيط للغاية.. ويكمن فى ظهور ثقافة جديدة تبدأ من النخب السياسية وتضبطها الحكومة بفرض القانون على الجميع، وعندها ستنتشر هذه الروح الجديدة فورًا فى كل شرائح المجتمع وتصبح جزءًا من مفردات الحياة اليومية، إذا بدأت النخب السياسية فى تقديم نموذج احترام الرأى الآخر وقبول نتائج الانتخابات والتركيز على الصندوق بدلا من المليونيات، فسوف تكون النتيجة المزيد من ثقافة التحضر وقبول الآخر بين أفراد الشعب، إذا قدم السياسيون القدوة فى الاهتمام بالعمل والإنتاج، والتخلى عن المصالح الشخصية فى مقابل تقديم مصلحة الوطن، فهذه العدوى ستجد طريقها بين الجميع. هل شاهدت الفنان "أحمد حلمي" فى رائعته: فيلم "عسل أسود"؟ حينما قدم شخصية المغترب المصرى الذى يعود إلى مصر بعد سنوات طويلة، ليفاجأ بحال الوطن الذى يعج بالفساد والعشوائية فى كل مكان، وفى ظل محاولاته المستمرة للعودة إلى أمريكا من حيث جاء، يبدأ فى معايشة تفاصيل الحياة اليومية الجميلة لمصر، يعشق نيلها، وترابها، وناسها الطيبين، وبعد مغادرته أرض مصر يقرر العودة والبقاء فيها، برغم كل شيء.. فقد وجد فيها - على حد وصف الفيلم - حاجة حلوة لا يستطيع مقاومتها، صدقوني.. المستقبل كله هنا، بلدنا فيها الكثير من الخير، ولكنها تحتاج لمن يشمر عن ساعديه، يبذل من وقته وجهده، ويقدم مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، حان الوقت ليصبح لكل منا دور ورسالة فى بلدنا التى صرنا نملكها، إن كنت لا تزال فى مقعد المتفرجين الذين يكتفون بانتقاد الأوضاع ومصمصة الشفاه، أو كنت محتارًا وتشعر بأنك قليل الحيلة وضعيف الإمكانيات، أو لعلك تتساءل عن الدور المناسب لظروفك فى المرحلة القادمة؟ فدعنى أساعدك على الإجابة فى الأسابيع القادمة إن شاء الله. [email protected]