لم تكن من شيمتي أن أتناول أحدا بالنقد وهو مقيد الحرية، حتي سعد الدين ابراهيم عندما ألقي القبض عليه طالبت بحقه في محاكمة عادلة، وخروجا علي هذه القاعدة التي سرت عليها زمنا طويلا استفزتني حملة اعلامية جبارة ساعة القبض علي أيمن نور من عدة أشهر قليلة علي خلفية اتهامه بتزوير توكيلات لاستخدامها في تأسيس حزب الغد واكبتها غضبة أمريكية وتصريحات دبلوماسية رسمية تندد بالقبض علي نور، وامسكت بقلمي وقلت في زاويتي التي أكتبها بالراية إنها خناقة بين أصدقاء الولاياتالمتحدة في مصر، وأن الحزب الوطني لا يحاول أن يقنعنا بطهارته وأنه الأمين علي سيادة الوطن ووطنية المعارضة لأنه حزب حليف لامريكا وكذلك نور رغم أني أوضحت أني لست ضد نور وطالبت بحقه في محاكمة عادلة ودعوت لاطلاقه، لكن الحق أقول أني شعرت بغصة فور نشر المقال وتمنيت لو لم أفعل، وحاولت أن أخفف ضغط ضميري بتبريرات داخلية في حوار داخلي، ولماذا أشعر بتأنيب الضمير فرغم أن أيمن نور صديق منذ فترة طويلة لم يحاول أن يساندني في أي مرة من المرات التي اعتقلت فيها، ولم يفكر حتي أن يحمد بسلامتي في أي مرة خرجت فيها من السجن رغم صداقاتنا ورغم أنه كان في موقف يسمح له بالنصرة وقد فعلها غيره، فلا أنسي أبدا مواقف محمد فريد زكريا وكيل حزب الاحرار عندما سجنت في قضية عبد الحارث مدني عام 94 وكتب سلسلة مقالات في جريدة الاحرار وقتها، هكذا أخفف عن كاهلي ضغوط ضميرية، باحثا عن مبررات مقنعة لكتابتي ذاك المقال وصاحبه في السجن لكني بقيت أتابع إجراءات التحقيق ثم البيان الصحفي الذي اعلنه المستشار النائب العام والذي ضمنه وقائع إتهام نور وإحالته لمحكمة الجنايات، ولست أدري متي تنتهي في مصر ظاهرة اصدار بيانات صحفية ترد من هيئات قضائية محظور عليها أصلا الاشتغال بالاعلام أو السياسة، حيث يوجد رؤساء محاكم يحلو لهم بمناسبة جلوسهم علي مقعد الحكم في قضايا هامة إصدار بيانات صحفية وعقد مؤتمرات صحفية وهم بحمد الله قلة، بل لدرجة أن بعضهم كان يسارع هو بنفسه الاتصال بالصحفيين لابلاغهم بتطورات القضية، والنائب العام من حين لأخر اعتاد إصدار بيانات صحفية بمناسبات مختلفة مثل اتهام أيمن نور بتزوير التوكيلات وكأنه يقدم للشعب مبرراته في هذه الاحالة رغم أنه غير ملزم بهذا إلا إذا كان يستشعر أن المحاكمة سياسية وليست جنائية، وحينما سارع بإصدار بيان صحفي قبل أن تبدأ التحقيقات في بلاغات التعدي علي المتظاهرين يوم الاستفتاء الأسود علي تعديل نص المادة 76 من الدستور .. تابعت كل هذا بصمت وعزوف ولكن الكيل طفح ولم أعد قادرا علي الصمت أكثر عندما وجدت وطالعت زفة أخري بمناسبة بدء جلسات محاكمة أيمن نور أمام محكمة الجنايات الأسبوع الماضي، وهنا أحب أن تكون لي وقفة، ودون أن أتعرض بالرأي في شخص القاضي الذي يتولي رئاسة المحكمة التي تحاكم نور وزملاءه فهو بالتأكيد قاضٍ قدير والقضاء المصري بصفة عامة قضاء نزيه يبقي الأمل الباقي في عيون المصريين، ولم يزل موقف نادي القضاة الغاضب المطالب بشفافية الانتخابات وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية يلقي استحسانا كبيرا و يريح الشعب ويؤكد له نقاء القضاة واستمرارهم في مواقفهم المشرفة، ولكن أن يخصص هذا القاضي دون غيره لنظر قضايا بعينها سياسية أو إسلامية فهو تحميل له أكثر مما يطيق، فهذا القاضي كما نعلم هو الذي حاكم سعد الدين ابراهيم وحكم عليه بالاشغال الشاقة عشر سنوات قبل أن تلغيه محكمة النقض في حكم تاريخي شهير، والذي حاكم عددا من رموز الجماعات الاسلامية في قضايا شائكة مهمة، حتي أصبح هو وقاض أخر ثارت معه أزمة كبيرة مع نقابة المحامين موضع هواجس عندما تحال لهما إحدي هذه القضايا دون أن ينال هذا من حيادهما المفترض أو نزاهتهما، لكن تخصيصهما دون غيرهما لقضايا تشغل الرأي العام بات يحملهما أكبر من طاقتهما، خاصة أن الأمر لا علاقة له باختصاص محلي مثلا، المشكلة أن الاحالة لهذا وذاك تتم بقرار إداري وليس وفق قواعد عامة مجردة. المهم .. استفزني هذه المرة أن كل المتهمين مع أيمن نور في ذات القضية يسارعون الي التأكيد باضطلاعهم بارتكاب جريمة التزوير وأن الذي حرضهم علي ذلك هو أيمن نور، وأن المحامين المدافعين عن المتهمين الخمسة تحولوا الي هيئة ادعاء اضافية ضد أيمن نور منضمين الي النائب العام في طلباته بسجن أيمن نور وسحقه، وقدموا هم أيضا بيانا صحفيا يتوعدون فيه المتهم الأول أيمن نور بالويل والثبور وعظائم الأمور، كل ما يجري يثير في نفسي هواجس أن هناك ترتيبات معينة تدبر لتكيد للرجل بعيدا عن حياد المحاكمة ونزاهة القضاء، ترتيبات قوية تشتم فيها رائحة الادارة والبوليس والتلفيق والوعد والوعيد واصطناع الأدلة وتستخدم سياسة العصي والجزرة. نريد الحرية الحقيقية التي يستطيع خلالها المواطن المصري أن يقول رأيه دون أن تلفق ضده الاتهامات وتشن ضده الحملات وتحاك ضده المؤامرات وتروج ضده الشائعات، نريد ديمقراطية حقيقية يستلبها الشعب استلابا ليست منحة من حاكم، نريد قضاء آمنا مطمئنا من تدخلات الادارة والسلطة التنفيذية بإبعاد كل مؤثراتها عن القضاة وتحكمها في رواتبهم ومخصصاتهم، عندها ستكون مصر فعلا واحة الحرية في المنطقة لست قلقا علي أيمن نور ولكني قلق علي مستقبل الديمقراطية والحرية في بلادي صدمة المصريين: صدم المصريون في قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي أحاله الحزب الوطني للمحكمة الدستورية طالبا اقراره بعد تمريره من مجلس الشعب الذي لم يعتد أن يرفض طلبا للحزب الحاكم وهو صاحب الأغلبية، وكانت صدمة الصحفيين أكبر باعتبار أن القانون تضمن مادة تقضي بعقوبة الحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وغرامة تتراوح بين ألف وخمسة آلاف جنيه لكل من نشر أو أذاع أقوالا أو أخبارا كاذبة عن موضوع الانتخابات أو الاستفتاء أو عن سلوك أحد المرشحين أو أخلاقه مع علمه بذلك بقصد التأثير في نتيجة الانتخابات، واعتبره الصحفيون عدوانا صارخا علي حرية الصحافة وضربة قاصمة لمسيرة الاصلاح السياسي، وجاء هذا القانون بينما ينتظر الصحفيون صدور التعديلات التي وعد بها الرئيس مبارك بالغاء العقوبات التي تهدد حريتهم، وكاد المريب أن يقول خذوني. حسن الهواري: توفي الي رحمة الله الصديق حسن الهواري مدير مكتب " الراية " بالقاهرة، وكانت صدمتي عندما قرأت نعيه بالأهرام دون أن يبلغني أحد من أصدقائي بالراية علي كثرتهم، كان الهواري نموذجا للصحفي المتواضع صاحب الخلق الرفيع، من وقت لآخر يأتيني صوته عبر الهاتف مجلجلا أحسنت يا استاذ معلقا علي رأي كتبته بمقال من مقالات الراية، غفر الله لصديقنا حسن الهواري وألهم أهله واسرة الراية الصبر والسلوان. ------ صحيفة الراية القطرية في 2-7 -2005