قيل للحسن البصري رحمه الله: «حُبُّ أبي بكر وعُمر رضي الله عنهما سُنّة؟ قال: لا؛ فريضة» [«أصول الاعتقاد» للالكائي (2321)، «الحجة» للأصبهاني (2/360)]. وهذا يمثل في حقيقته خلاصة عقيدة أهل السنة وموقفهم من الصحابة جميعًا، وعليه تدل أدلة الشريعة والنظر الصحيح. وما مِن آية أو حديث إلا وهو خطاب للموجودين حينئذ في أول الإسلام، وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ثم لبقية الأمة بعدهم، فالصحابة أصل الإسلام، ونهره الذي يشرب منه من بعدهم، وواجبٌ على جميع المسلمين محبتهم والولاء والاستغفار الدائم لهم، مصداقًا لقوله سبحانه: «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» (الحشر:10). والحقيقة أن حبّ الصحابة دليل إيمان المحب، كما أن بغضهم دليل نفاق المبغض الكاره، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: «لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ» [البخاري3783، مسلم75]. وهذا المعنى يشمل المهاجرين أيضًا. وقد قال سبحانه وتعالى: «وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ» (التوبة:100)، ومَن رضي الله عنه لا يسخط عليه إنسان، ومن فاز فوزًا عظيمًا لا يحط مِن قدره أحد، ولا يتطاول عليه بشر؛ إلا أن يكون جاحدًا بالدين كارهًا للإسلام كله، فيكون تطاوله دليلًا على نفاقه وسوء طويته. وقد قال عليه السلام: «لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفُه» [البخاري3673، مسلم2540]، وحكم بأنهم خير الناس فقال عليه السلام: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» [البخاري2652، مسلم2533]، وكذلك قال الله عز وجل: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (آل عمران:110)، وهذا خطاب لهم ولمن بعدهم. وقد كان مقام الصحابة محفوظًا في قلوب أئمة الهدى، وأعلام الأمة جيلًا بعد جيل، وكان عبد الله بن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنهما، يقول: «لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره» [ابن أبي شيبة32415، ابن ماجة 162]، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «وإياك وشتم أحد من أصحاب النبي عليه السلام فيكبك الله في النار على وجهك» [اللالكائي 1134]، وقال أيضًا: «لا تسب السلف، وادخل الجنة بسلام» [اللالكائي2355]. وسب رجل عثمان رضي الله عنه فأمر عمر بن عبد العزيز بجلده ثلاثين سوطًا [اللالكائي2383]. وما أروع ما قاله الإمام أيوب السختياني: «مَن أحب أبا بكر الصديق فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الدين، ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسني في أصحاب محمد عليه السلام فقد بَرِئ مِن النفاق» [اللالكائي2333]، وما قاله الإمام أبو حنيفة: «مقام أحدهم مع رسول الله ساعة واحدة خير من عمل أحدنا جميع عمره وإن طال» [مناقب أبي حنيفة للمكي76]، ولهذه المنزلة قال الإمام مالك: «كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمون السورة من القرآن» [اللالكائي2325]. وقال الطحاوي: «ونحب أصحاب الرسول عليه السلام، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، لا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان» [الطحاوية57]. وما أجمل قول قبيصة بن عقبة: «حبُّ أصحاب النبي كلهم سنة» [الحجة للأصبهاني 2/394]. وقول بشر بن الحارث: «أوثق عملي في نفسي حبّ أصحاب محمد عليه السلام» [حلية الأولياء 8/338]، وقول الإمام ابن بطة: «ونحب جميع أصحاب رسول الله عليه السلام، على مراتبهم ومنازلهم أولاً فأول، من أهل بدر والحديبية وبيعة الرضوان وأُحُد، فهؤلاء أهل الفضائل الشريفة والمنازل المنيفة، سبقت لهم السوابق، رحمهم الله أجمعين» [الإبانة الصغرى65]. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]