من أعداء المدير الناجح، الهواجس والشكوك المرضية، والأمانى الزائفة كذلك. أبداً لا أحرضك على تجاهل الاحتمالات السلبية بل والسيئة منها، بل أدعوك أن تضعها كلها فى اعتبارك وتتحسب لها، لكن إياك أن تستغرقك فتعوقك وتعطلك بعد أن تُمرضك. وأبداً لا أنهاك عن الطموح، ولكن هناك فرق بين الأمانى المرضية التى تجعلك تركن إلى الأحلام الزائفة، وبين الطموحات العملية الممكنة التى تنطلق من رؤية ثم سعى عبر الحركة الواعية إلى تحقيقها. من مخلفات عصر مبارك بل وأكثر من نصف قرن إلى الوراء، أن تعطل الإبداع لدينا، بعد أن انغلقنا على محدوديتنا الفكرية، وهذا ما نشهد حصاده الآن فى بلدنا، فلا رؤية ولا خطة، وبالتالى فلا حركة واعية، ومن ثم فلا خطاب معتبر، يعنى الخلاصة أن لا إدارة إجمالاً. أبداً لا نبخس الناس أعمالهم الجيدة، ولكن كلها على قلتها وعظمة بعضها، لم تأتِ فى إطار رؤية شاملة، فارتباط بما يجب أن ترتبط به، ولا فى توالٍ من الإجراءات والخطوات كانت مستحقة بعدها، وفى وقتها المناسب، وبكيفية تعكس ثباتاً وقوة، قوة مستمدة بعد الله، من تكليف الشعب! هذا وبكل الأمانة رأيىِ وفق اجتهادى الفكرى البشرى المتواضع، وأُشهد الله على نفسى، حين أقول إن هذا هو حال الدولة المصرية الآن الذى يسوؤنى، وأقسم بالله والمعارضة كذلك، من وجهة نظر العبد لله، فما الحل؟ هو أن تنهض فئة مصرية مبدعة، لا تسعى لمنصب سياسى، فتقدم مبادرة «عملية»، وأن تعى أن الاقتصاد مثلما هو الغاية بعد الله سبحانه وتعالى وتعاليمه فى مبادرتها هذه، فهو القاطرة لتحقيقها على الأرض كذلك. مبادرة تحمل فى طياتها أفكاراً لنماذج اقتصادية «ولادة»، تحقق عوائد معتبرة للوطن ولهذه الفئة المبدعة على التوازى، على أن تترجمها بنفسها على الأرض وبشفافية تامة، فتحقق بذلك هدفين، الأول النهوض بالحالة الاقتصادية المصرية، والثانى تقديم نموذج علمى وعملى للدولة يعكس كيفية التفكير وكيفية الحركة والترجمة. وبعد، فبالتأكيد لا يكفى أن أكتب ما كتبت فى مقدمة المقال، دون أن تكون لدىَّ رؤية عملية بشأنه بل ومشاركة فعلية فى تحقيقه، وإلا أكون مثل جيش المشخصين المصريين الذين تلذذوا عبر عقودٍ برمى الآخرين بالنقائص حتى لو حقيقية دون تقديم الحلول، ومن هنا فأنا سأوجه الدعوة بالفعل بإذن الله إلى مجموعة من الشخصيات التى أتوسم فيها الخبرة والإبداع وحب الوطن والرغبة فى خدمته، كما أن الدعوة مفتوحة كذلك لكل المبدعين المصريين الشرفاء بتنوعهم دون استثناء، أن يتواصلوا معنا. من الموضوعات التى سأشارك بها وأذكر بعضها الآن، تفعيل الصادرات المصرية وتطوير أداء التمثيل التجارى، مفهوم متطور لحاضنات المشروعات الصغيرة والكبيرة على حدٍ سواء والنزول بمخاطر الائتمان إلى حدودٍ غير مسبوقة، إعادة صياغة دور وأداء بنك التنمية والائتمان الزراعى، ودور التعاونيات الزراعية حتى فى ظل القانون الحالى، ودور الصندوق الاجتماعى للتنمية بل وتفعيله فى استقطاب الإبداع المصرى. وعند الزراعة تحديداً، أود أن أضيف فى مقال اليوم، أن الزراعة المصرية وعبر تاريخها الطويل الممتد عبر آلاف السنين اعتمدت وبشكل أصيل رسخ فى وجدان المزارع المصرى على المبادرة الفردية والتى كانت نموذجاً للاجتهاد والمحاكاة والتوريث للمعلومة وأفرزت خبرة تراكمية رائعة، ولكن لم يكن المردود للمزارع المصرى على مستوى هذا المجهود لأن العملية كان ينقصها فى واقعها الحركى على التنظيم العلمى الذى يعتمد على المعلومات والذى يعود على المزارع بعناصر رئيسية ثلاثة، الأول هو التثقيف، والثانى هو التسويق، أقصد التسويق بمفهومه الحقيقى الذى يبدأ قبل الشروع فى الزراعة أو المشروع المرتبط بها وينتهى بالحصول على أفضل عائد وبين المرحلتين تفصيلات متعددة، والثالث هو حصول المزارع على الجديد من نتائج البحوث العلمية الزراعية والحيوانية والصناعات القائمة عليهما، بل وكل ما يتعلق بتحسين البيئة الحياتية للمزارع. والقراءة المحايدة للتاريخ المصرى فى هذا المجال فيما مضى، تؤكد أن نقص التنظيم العلمى وعدم تدفق المعلومات مرجعه لتقصير الدولة المصرية، الذى اقتصر دورها على الاهتمام بمشروعات الرى ظناً منها بأن هذا هو دورها الوحيد أو ربما الهام، وعلى الرغم من روعة مشروعات الرى على مدى التاريخ وحتى يومنا والتى مازلنا فى حاجة إلى المزيد والمتطور منها، فإن هذا لم يكن كافياً وحده لكى يضعنا فى المكانة التى تليق بعراقتنا الزراعية. وفى الستينيات من القرن الماضى بدى نسبياً دور الدولة فى مجال البحوث العلمية، ولكن للحق كنا دائماً نفتقد إلى الرؤية المتكاملة التى تحدد الأهداف والسبل الفاعلة لتحقيقها واستشراف المستقبل ومتطلباته وفق ثقافة عامة تعى متطلبات تطور البعد السكانى والاقتصادى، بل والسياسى أيضاً وتنظم العمل بعناصره وأبعاده وأطرافه المختلفة تنظيماً علميًا. وفى النصف الثانى من السبعينيات، رفعت الدولة شعار الثورة الخضراء، وكعادتنا فنحن نحسن اختيار شعارات كل مرحلة ويتوقف الأمر عند استمرار ترديد الشعار وتلحينه والتغنى به واستخدامه أحياناً كأداة للنفاق من قبل الفاسدين وضعاف النفوس، وللحق وللموضوعية، فإن هذه المرحلة اتسمت رغم ذلك، بتشجيع القطاع الخاص والمبادرات الفردية، فقامت بعض المشروعات الجديدة للقطاع الخاص والتى لاشك مثلت بداية جيدة، كما قامت الدولة وما زالت باقتحام الصحراء، ولكن لم يواكب ذلك سياسة زراعية عامة تتوافر لها بنية أساسية دائمة لتحقيق أهداف جديدة تواكب متطلبات العصر والتحديات التى واجهتنا ومازالت، فى ظل إدارة علمية واعية تضع الرؤية وتدير الحركة، إدارة تتطلع إلى تحديث الزراعة المصرية بما يليق بمكانة وحضارة مصر الأصيلة، وتضع السياسة والخطة وتحدد الأهداف وفقاً للإمكانات المتاحة وما يمكن أن نعظمه منها وما يمكن أن نضيفه إليها، هذا فى ظل تقييم شامل ومراجعة لكافة القطاعات الزراعية من حيث التنظيم والأداء، وهذا ما نحتاجه اليوم تحديداً. وبعد ومما تقدم يتضح لنا أننا مازلنا نعيش أمام تحديات العصر المتلاحقة والتى تؤكد لنا ضرورة الاعتناء بهذا القطاع الحيوى من حياتنا فى مصر، وذلك لا يكون إلا من خلال وعى وإدراك بأن الإدارة، الإدارة العلم والإدارة الممارسة، الإدارة التى تعتنى بالمعلومات على اعتبار أنها المدخل والمعطيات التى تساعد على التقييم ثم التقويم ثم وضع السياسة الزراعية العامة الجديدة التى تحقق الأهداف، هى وسيلتنا للنهضة المأمولة لهذا القطاع الحيوى الذى يمكن أن يكون قاطرة للتنمية الشاملة بإذن الله. ومشاركتى فى هذا الشأن، هو تقديم آلية معتبرة لتنظيم هذا القطاع الحيوى، وكيفية توظيف المزارع المصرى دون قسر أو إجبار، ليزداد دخله بصورة معتبرة على التوازى من زيادة الدخل العام المصرى، وتحقيق ذلك بكيفية منظورة العوائد وسريعة. أتمنى فى مقال قادم بإذن الله، أن أخبر القارئ الكريم، بأخبار المبادرة التى تحدثنا عنها فى المقدمة. رداً على صديق آلمه ارتفاع سعر الدولار منذ أيام، إلى ستة جنيهات ونصف، قلت له: كنت أتمنى من الدكتور (العقدة!!) أن يرتفع بقيمة (معتبرة) بسعر الدولار منذ 28 يناير 2011 ولم يفعل، وهربت دولارات الفسدة منذ ذلك التاريخ وأغلب عام 2011، والدولار وقتها تحت الجنيهات الستة بمسافة. كلنا مسئولون، الفاسد منا والساذج، منذ 11 فبراير 2011. [email protected]