قالت لى السيدة التى تساعد فى أعمال المنزل والتى اشتهرت بالأمانة ( الأمانة رأسمالى فى عملى، لأننى إن سرقت مرة لن تغنينى طول العمر وسوف أفقد سمعتى، أما الأمانة فهى من تجعل كل من أعمل لديه يثق في، ويقول فى حقى خيرًا فتفتح لى أبواب أخرى للرزق الحلال)، لفت نظرى إلى أن للأخلاق جانبا نفعيا فهى ليست قيما ومعانى مجردة يتمسك بها فضلاء البشر والمتدينون فقط، ولكنها سمة شخصية تجعل مكسبك على المدى البعيد أكثر. ومما يؤكد ذلك أن الحضارة الغربية المتحررة تولى اهتماما كبيرا لقيم الصدق والأمانة والإتقان والوفاء بالوعد، ذلك لأنهم ومن جانب عملى بحت تأكدوا أن الطريق المستقيم هو أقصر الطرق بين نقطتين، وبالتالى فإن الكذب إذا نجا صاحبه مرة فإنه يدخله فى دوامة من التظاهر والتحايل وسلسلة جديدة من الأكاذيب المرهقة التى قد يضره بعضها ويؤذيه. ربما مر كثير منا بموقف ما لم يكن فيه واضحا بشكل كافٍ وكيف ترتب على هذا الموقف البسيط هرم من الأخطاء جعلته يندم أشد الندم على تلك الكذبة الحمقاء التى أفرخت كل هذه المشاكل، مصداقيتك تحدد قيمتك فى عالم اليوم، ومع تزايد نداء الحرية فى العالم أجمع لم يعد هناك مبرر لغير ذلك، ولكن هناك بقايا من سلبيات الأنظمة القديمة لدينا تجعل الكثير من الناس ما زالت تعتقد أن التحايل شطارة، والكذب الأبيض لا بأس به، والتظاهر بالفضائل سمة الرجل الخبير. لقد تطور وعى الناس بشكل مذهل، بل إنهم فى تطور مستمر كل لحظة وخاصة مع وجود وسائل الاتصال الحديثة الفيس بوك والإنترنت، حتى إنه لم يعد هناك فاصل بين المبدع والجمهور أو النخبة والشعب، ففى أحيان كثيرة يسبق الجمهور ويتفوق الشعب، ولذلك لن ينتفع اليوم أحد بكذبه ولن ينطلى التحايل على أحد، والكذب ليس له ألوان وليس له رجلان أيضًا. كل الناس حاليًا (مركزين دوت كوم ومنتبهين دوت نت)، ولذلك فإن القيم أسهمها فى ارتفاع إن لم يكن من الناحية الدينية والأخلاقية، فمن الناحية العملية والنفعية، وهذا الكلام لا يقلل من قيمة الفضائل، لأن أصل كونها فضائل أمرنا بها الله ورسوله هو أنها نافعة يصلح بها حالنا وحال مجتمعنا وتساعدنا على التقدم. فى عصور الفساد السابقة، كانت مهارات التحايل والتجمل ونكص الوعد وخلف العهود هى المناسبة لعالم الفساد العفن ومن يجيد تلك المهارات الرديئة يكسب مالاً أو منصبًا بغير وجه حق، أما المستقبل فى العالم كله فهو لقيم المصداقية والشفافية التى تجعل منك إنساناً حقيقيًا متميزًا عن غيرك حتى لو كنت مختلفا، مصداقا لقول الفلاسفة (كن نفسك)، نعم كن نفسك لتعيش فى عمق الحياة ولا تمارس الزيف فتعيش على هامشها، كن نفسك أحب بعمق واعمل بإتقان وقل ما برأسك واعرف حدودك، واعبد ربك ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك. إن الاختلاف والتمايز بين البشر سنة كونه تجعلهم يتبادلون المنافع ويتكاملون وليس مطلوبًا أن نكون نسخًا متطابقة وعلى كل منا احترام اختلاف الآخر مادام فى إطار الوطنية ومصلحة المجتمع، ربما نكون قد استوعبنا فكرة الاقتراع والصناديق فى الديمقراطية، ولكننا لم نستوعب بعد فكرة تقبل الآخر والتعايش معه واحترامه، ولكننا على الطريق وسنصل قريبا بإذن الله.