تعترى القنوات الإسلامية ظاهرة سيطرت على بعض مقدمى البرامج وهى سب المخالف والوقوع فى شخصه بألفاظ نابية وكلمات لا تليق، بدعوى إسكاته وإلجامه وإيقافه عند حدوده حتى لا يتطاول على العلماء والدعاة، وقد رأينا هذه الظاهرة بصورة مستفزة لم يتوقع أحد أن تخرج ممن يتصدى للإعلام الإسلامى بهذا الانكشاف وبتلك الفظاظة (الكلاب- السفلة- القواد- العاهر- إلى غير ذلك مما سمع الناس جميعًا)، الغريب هنا ليس انتشار هذه الظاهرة بصورة واسعة، وإنما الغريب حقيقة وما آلم الكثير هو محاولة هؤلاء الإعلاميين المحسوبين على الفكرة الإسلامية الخروج من مأزقهم الأخلاقى بجريمة أخرى هى أشد أثرًا وأعظم جرمًا وهى التأسيس لفقه جديد فى الإسلام لم نعرفه من قبل وهو (فقه السباب) وإلصاق هذه الشتائم بالإسلام ومحاولة التأصيل لذلك من خلال البحث عن أدلة وشواهد شرعية على جواز سب المخالف بأفظع الألفاظ، ومن المضحك المبكى أن الأدلة التى ساقها هؤلاء الإعلاميون للاستدلال بها على جواز السب ساقها مقدم نصرانى متطرف فى إحدى القنوات النصرانية المعروفة بافترائها على الإسلام منذ شهور ليفترى بها على الرسول صلى الله عليه وسلم ويدعى أنه صلى الله عليه وسلم كان سبابًا وأن الإسلام دين يجيز سب الخصوم، وإذا بالأيام تمر ليخرج علينا من المسلمين من يستدل بنفس أدلة هذه الشبهة وأدلة هذا المذيع على جواز السب فى الإسلام، فسبحان الذى أضحك وأبكى!! وقبل أن أتوجه بالحديث إلى إخواننا الإعلاميين أقول ابتداء إن سب الآخرين والتعرض لشخوصهم منهى عنه لذاته اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم (فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا ، وَلَا صَخَّابًا فِى الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُجْزِى بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ)، ومنهى عنه أيضًا لما يؤدى إليه من مفاسد تفوق مصلحة السب ذاته، قال تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم)، أما ما أورده بعض إخواننا من الإعلاميين من أدلة يبررون بها أفعالهم ويلصقون من خلالها تصرفاتهم بالإسلام كحديث النبى صلى الله عليه وسلم (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه ولا تكنوا)، أى قولوا له عض ذَكَر أبيك، فالجواب على ذلك بوجوه كثيرة من أهمها أن المحكم من شرع ربنا يعمل به ويقدم على المتشابه والمحكم هنا هو عدم جواز السب والبذاءة لتواتر الأدلة على ذلك، حتى وإن كان الخصم كافرا، ومنها أن مناط هذا الحديث وغيره من الآثار التى ورد بها السب كقول أبى بكر لعروة ابن مسعود (امصص بظر اللات)، كان فى مجال الاعتقاد ومع كفار أصلا ولم يكن مع خصوم مسلمين حتى وإن كانوا فساقاً أو منافقين ومن هذه الوجوه أن معنى (أَعِضُّوهُ) ليس المراد أنه يعض بأسنانه ذكر أبيه.. فلغة العرب تقول: عض الرجل يعضه عضيضًا: أي: لزمه ولصق به، وليس المقصود عضاً بالأسنان.. كما ورد فى قول النبى صلى الله عليه وسلم "فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت كذلك"، أى تلزم شجرة تعيش عندها وتعتزل الفتن حتى تموت، وليس المقصود أن الإنسان سيعض الشجرة بأسنانه بطبيعة الحال، ومعنى (الزم هن أبيك): هو أن الإنسان لا يكون فى هن أبيه - ذكر أبيه - إلا قطرة حقيرة من المنى، وعليه فإذا كنت أيها المفتخر بنسبك، وبقبيلتك.. بأنك من قبيلة كذا وكذا, فها نحن نذكرك بأصلك الحقيقى, فأنت لست سوى قطرة من منى من هن أبيك – ذكر أبيك - ومن المعروف أن الإنسان يستحى من عورته ويداريها, فإذا تكلمت عن أصلك أيها المتكبر, فسنذكرك بأصلك الذى خرجت منه والذى تحرص على ستره، ومن وجوه الرد هو أن مقام الإعلاميين بالأساس هو مقام بيان أوجه محاسن الإسلام وإظهار قيمه وتألف قلوب الناس وأن انتهاج سبيل السب والشتائم مع الخصوم يتنافى مع المصالح المرتجاة من ولوج هذا المجال، بالإضافة إلى ما يصيب الإسلام من تشويه وإلصاق نقيصة السب بطبيعته. أيها الإعلاميون: أفيقوا مما أنتم فيه ولا تستدرجوا لخطاب سوقى منحط يأخذكم إليه أعداؤكم ليقولوا للناس هؤلاء هم دعاة الإسلام ورجاله، ولن ينتقص منهم شتمكم لهم أو سخريتكم منهم، (فالضرب فى الميت حرام)، فقد اعترفوا بأنهم (صيع) وأنهم (أولاد حواري) و(فلول)، ولن يضيرهم شيء بعد أن باعوا ضمائرهم وشرفهم، أما أنتم فعلى ثغر عظيم تقيمون وعلى ربوة عالية للدين تقفون، فعودوا إلى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ولا تقعوا فيما وقع فيه خصومكم فخسروا الكثير، ارتقوا فى خطابكم برقى الإسلام ورسالته حتى وإن سبكم خصومكم، فالعقول السوية والنفوس المنصفة تأنف الشتائم والسخرية حتى وإن كان الحق معك، وما هى إلا أيام وسينقشع الغبار وتزول المحنة ويبقى خطابكم الإعلامى نظيفاً عفاً مضيئًا يحمل قيم الإسلام وتعاليمه وسيشهد التاريخ أنكم كنتم تجابهون حربًا ضروسًا من إعلام انتهازى مغرض، ومع ذلك كان خطابكم رابط الجأش متزناً رفيقاً ودودًا عفًا جميلاً وسيلقى الزمن بخطاب المغرضين والمستهزئين فى مزبلة التاريخ، تلكم سنة الله فى خلقه (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض)، وانتقدوا خطابكم قبل أن ينتقده الآخرون، فلولا التناقضات والأخطاء ما كان لهؤلاء مادة يسخرون منها أو يستهزئون بها.