"قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِى الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ". [آل عمران137] هكذا دوماً وعقيب كل الأحداث العظيمة والمنعطفات الحضارية التاريخية يذكرنا القرآن الكريم بمنهج رائد وحضاري؛ ألا وهو قراءة الحدث وتحليله بناء على قاعدة قراءة التاريخ كما جاء عقب مصيبة أحد. وذلك حتى نستخلص الدروس ونستشف العبر ونتعلم أدب المراجعات لأقوالنا وأفعالنا ولتقييم وتصحيح أخطائنا قبل أن نخطو خطوة تالية والدخول فى مرحلة جديدة. ما أشبه الليلة بالبارحة؟! ونحن الآن بعدما أقر الشعب دستوره ونعايش أحداثاً عظام ونواجه تحديات ساحقة ماحقة كشرت عن أنياب شرسة من الحقد والكراهية تريد أن تنهش فى جسد ثورتنا الرائدة. ولنتذكر السيناريوهات المرعبة التى كانت تخطط لجرنا إلى أهوال من التصدعات الاجتماعية ونشر الفوضى وثقافة الفوضى وإعلام الفوضى وأزمات الفوضى؛ مثل أحداث ماسبيرو والسفارة الإسرائيلية ومحمد محمود ومعركة الدستور...! حتى هالنا هذه الأيام ما تردد على لسان حفنة من العلمانيين والليبراليين وهم يلمحون بالخوف من اندلاع الحرب الأهلية على أرض المحروسة. فما أحوجنا لأن نقف وقفات مع الذات المجتمعية المصرية للتصحيح والتقويم. كما كان القرآن الكريم يعالج ويربى بالحدث فى الميدان. فما هى أبرز الدروس التى نستشفها الآن؟ وهى على سبيل المثال لا الحصر: 1-مصر كبيرة علينا جميعاً: وهو الدرس الأبرز الذى يجب أن تعيه كل القوى والأحزاب اللاعبة على مسرحنا السياسى والاجتماعى والفكري. لقد اكتشفنا جميعاً أن مصر لا يمكن أن يحكمها فصيل واحد أو اتجاه واحد، بل بالتوافق بين قوى واتجاهات وأحزاب مخلصة متعاونة تتفق على الحد الأدنى من التنازلات المتبادلة. ونسيجها المجتمعى يبتلع أى تيار أو حزب! فلم يعد هناك مجال لتعالى فصيل على فصيل. ولا مكان لمدعٍ يزعم أن الشارع معه. 2-انتهى عصر الأغلبية الحزبية: ونقصد بها أن أى حزب لا ولن يستطيع الآن أن يحقق الأغلبية المطلقة لحزبه أو فصيله. وذلك لأسباب عديدة أهمها: (1) ظهور قوى جديدة ذات ثقل وجماهيرية على الساحة لم يكن لأى مراقب أن يتخيلها أو يضعها فى حساباته قبل الثورة؛ مثال الأحزاب السلفية والجماعات الإسلامية. (2) وجود لاعب جديد وخطير لم يكن أحد يضعه فى حساباته بجدية؛ وهو حزب الأغلبية الصامتة أو حزب الكنبة الذى ظلموه كثيراً واتهموه بالسلبية. فلما تحدى الجميع وتحرك كانت حركته خطراً على كل الأحزاب الرسمية؛ وأقل ما يصنعه هو التصويت الانتقامى من الظالمين للمظلومين أو من المهاجمين للمجنى عليه. وإن كان عيبه أنه يراقب الأحداث ويتأثر كثيراً بالإعلام وتستهويه الزعامات (الكاريزمية) ويتبع من يثق به ومن يلعب على عواطفه الدينية أو الطائفية أو الثورية. وتلعب الشائعات دوراً خطيراً فى استفزازه وتحريكه. لذا قلنا عنه سابقاً: (احذروا الاحتياطى الخطر) أى لا تستهينوا بالعوام من الناس. 3-انتهى عصر الانتخابات والاستفتاءات الكاسحة: وهذا مرتبط بالدرس السابق. فلن نجد بعد اليوم تلك النتائج الثمانينية أو التسعينية؛ التى نجد فيها قوى أو أحزاباً تكتسح النتائج. ولنتدبر نتائج انتخابات الرئاسة وكذلك استفتاء الدستور. فمهما تحالفت القوى والأحزاب فستظل حالة من التجاذب والتصارع لا بين فريق وفريق، وستتغير معادلات القوى بناء على قوة التحالف الذى يمثلها. لذا نحن نستغرب صرخات جبهة الإنقاذ المعارضة وهى تتنادى بأن الموافقين على الدستور لم يبلغوا الثلثين من الناخبين. فلعلهم يعيشون أحلام الماضي. ونسوا أن المعادلات السياسية والخرائط المجتمعية قد تغيرت بفعل المد الثوري. وهذا يقودنا إلى الدرس التالي؛ وهو: 4-ارفعوا شعار صقر قريش: بناءً على الدروس السابقة؛ نجد أن التوافق والتعاون بين القوى والأحزاب ضرورة وحتمية. وذلك حتى يجد كل فريق له مكاناً وفعالية فى المعترك السياسي. وهذا يلزمه: (1) أن تستشعر كل الأحزاب خطورة هذه الدروس وأن اليوم غير الأمس. (2) أن تتوحد كل جبهة على قواسم مشتركة تحقق ولو الحد الأدنى من أهداف كل حزب. (3) أن يجيد كل فريق مهارة التنازل عن أهداف خاصة بعيدة المدى والتقارب على أهداف قريبة جماعية. (4) أن يكون فى مقدمة سلم الأولويات الفكرية والسياسي؛ هو محاولة الالتقاء على كلمة سواء؛ أو قضية محورية واحدة. (5) أن يدرسوا تحالفات الرسول صلى الله عليه وسلم، مع اليهود، فى بداية العهد المدني. (6) أن يتذكروا رأيه صلى الله عليه وسلم فى حلف الفضول الذى تم فى الجاهلية: "ما أحب أن لى بحلف حضرته حمر النعم فى دار بن جدعان، تحالفوا أن يكونوا مع المظلوم ما بلّ بحر صوفه، ولو دعيت إلى مثله فى الإسلام لأجبت". [الجصاص 2/294 وإمتاع الأسماع 1/11] (7) أن يكون الشعار العام؛ ما قاله صقر قريش عبد الرحمن الداخل، بطل فتوحات الأندلس: (لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوة منهم). على أمل استكمال بقية الدروس بعونه تعالى. د. حمدى شعيب E-Mail: [email protected]