أخيراً صدر الدستور، ولكن بعد ولادة متعثرة ووجب علينا جميعاً أن نطوى من تاريخ مصر عدداً من الصفحات المؤلمة التى سببت لنا الكثير من المآسى والأحزان وشروخات خطيرة كادت أن تؤدى لانقسامات عديدة بجدار المجتمع المصرى لدرجة أصبحت معها خلافاتنا لا تحل إلا بالحشود والحشود المضادة، وأصبح الاحتكام لأعداد المتظاهرين هو سيد الموقف. ووجب علينا أيضاً أن نفتح صفحة جديدة يكون أول سطر فيها قول الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) حتى تنتهى حالة التصيد والتأهب والترقب غير المسبوقة التى تعيشها مصر بسبب الأزمات السياسية المتتالية التى صدرتها لنا التيارات السياسية دون أن توجِد لها حلولاً. والضمانة الحقيقية والوحيدة لتستعيد مصر عافيتها وتعوض ما فاتها هى أن يجلس العقلاء من كل الأطراف متجردين من كافة انتماءاتهم السياسية وأيديولوجياتهم لوضع أسس وقواعد دولة القانون والمؤسسات وستكون الخطوة الأولى من جانب تيارات الإسلام السياسى التى عليها أن تستعيد مصداقيتها وترشد خطابها الإعلامى وتراجع مواقفها تغليباً للمصلحة الوطنية وألا تتملكها نشوة الانتصار حتى لا تثير فزع البسطاء من الشعب ممن قاموا بالثورة ولم يجنوا من ثمارها شيئاً حتى الآن. أما المعارضة، فعليها أن تطهر نفسها بنفسها وأن تتبنى فكراً مختلفاً يتسم بالموضوعية ويجعل منها قيمة محترمة لدى المواطن المصرى الذى لا يزال يرى أن مصر لا يوجد بها معارضة حقيقية، وإنما فقط مجموعة ممثلين برعوا فى تقمص أدوار المعارضين ولكل منهم حساباته الخاصة التى لا ترقى ولا تمت للصالح العام بأى صلة. فنحن الآن بعد صدور الدستور نحلم باستقرار حقيقى ونحلم باكتمال مؤسسات الدولة ونحلم بحكومة قوية وبمعارضة حقيقية ذات توجهات موضوعية وعلينا أن نخلص النوايا لتجاوز أزماتنا المستمرة وأن نوجِد لها حلولاً وتوافقات سياسية ونتحمل جميعاً المسئولية بإخلاص، بدءاً من الرئيس والحكومة والأحزاب السياسية والمعارضة وانتهاءً بكل مواطن مصرى. ولو أغلقنا باب الخلافات مؤقتاً وفتحنا باب التوافق سنجد الكثير من الملفات الحيوية والحساسة لنركز فيها جهودنا وندفع ببلادنا للأمام ولو قليلاً وأهم ملفات تحتاج منا للتكاتف هى الملفات الاقتصادية، حيث وصل الاقتصاد المصرى إلى وضع حرج جداً وانخفض الجنيه المصرى بشكل حاد مقابل الدولار وارتفعت الأسعار بشكل مبالغ فيه حتى أصبحت بعض السلع الأساسية نوعًا من الرفاهية لدى فئة غير قليلة من الشعب المصرى. ومن أهم الملفات الاقتصادية التى نقترح البدء بها فوراً ملف تحويل عملة المرور بقناة السويس إلى الجنيه المصرى وملف إهدار موارد مصر الطبيعية وعلى رأسها سرقة إسرائيل للغاز المصرى من المياه الإقليمية بالبحر الأبيض المتوسط وملف منجم السكرى، فضلاً عن عدم تآكل الرقعة الزراعية وعدم وجود أساطيل كافية لصيد الأسماك رغم طول الشواطئ المصرية على البحرين الأبيض والأحمر، هذا بخلاف ملف أزمة مياه النيل وهو الأخطر على الإطلاق والذى أهملناه كثيراً فى ظل الصراعات السياسية. وبغير هذا نكون قد أضعنا على أنفسنا فرصة نادرة لإعادة اكتشاف حب مصر فى داخلنا لنظهر على حقيقتنا ونظهر مصر للعالم على حقيقتها. [email protected]