قسمًا بمن جعل الحُكم له, إني لأكره الكلام في السياسة, كراهيتي للسفه, و لو سيادتك حريص اليوم على الكلام في السياسة, فلديك مئات المقالات والبرامج, أما لو صبرت فلعلك تجد بضاعة تُرضيك.., و يشعرني قلمي أنه خارج من معركة, و مثخن بالجروح.. فمن الأقلام سيوف, و بعضها يستحق أصحابها اللطم بالكفوف... بعضها حبرها من ماء, وبعضها عمرها أكبر من عمر صاحبها.. بصُرتَ بالراحة الكبرى فلم تَرَها تُنالُ إلا على جسرٍ من التعبِ الراحة الكبرى كلمة فضفاضة, لو سألت عنها مسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا؟ لأجابك بأنها الجنة.. ولو كررت السؤال عن الراحة الكبرى في الدنيا؟ لوجدت عجبًا.. فبعض الناس راحته الكبرى أن يزيد حسابه المصرفي,.. و أن تزيد أراضيه و عقاراته... و بعضهم سعادته في النساء... لا يصبر.. يتحسر... لو لديه بيضاء, تحسر على كل سمراء, و لو لديه نحيفة, فاضت عبراته على كل متينة... فمنا من لا صبر له عليهن, و لا طاقة بهن... ومن الناس من تعجبه الشهرة.. يفرح جدًا لو صار حديث الناس.. و يحزن جدًا لو ابتعدت عنه الأضواء.. الناس المختلفون, يشتركون في غاية واحدة.. في هدف واحد.. يربط كل البشر في اتحاد عالمي أبدي, منذ خلق الله الأرض و حتى يوم طي السماء كطي السجل للكتب... تكلم كثيرون من الكتاب و الحكماء والفلاسفة عن أسمى غايات البشر.. لكن ابن حزم كان أمهرهم في الوصف و التحديد.. أتى المسألة من الآخر, فأتى بآخرها... و لخصها في كلمتين لا ثالث لهما "طرد الهم". يقول: "تطلبت غرضًا يستوي الناس كلهم في استحسانه, وفي طلبه.. فلم أجده إلا واحدًا, و هو طرد الهم... ورأيتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم, وتباين هممهم وإراداتهم, لا يتحركون حركة أصلًا, إلا فيما يرجون به طرد الهم.... فطرد الهم مذهب قد اتفقت الأمم كلها, مذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى... وليس في العالم... أحدٌ يستحسن الهم, ولا يريد أن يطرده عن نفسه..." هل رأيت كيف تكلم ابن حزم... فلو أنت تسعى للمال, فهدفك طرد هم الفقر, و لو تسعى للنساء, فهدفك طرد هم حسرة حبهن... و لو هدف دولة بأكملها الحرب, فهدفها طرد هم الذل, أو طرد هم افتقادها الزعامة... طيب سؤالي: ضمن كل أشكال "طرد الهم" ماذا ينبغي أن تكون الغاية التي تسعى إليها أو ما هي الراحة الكبرى؟ [email protected]