نعترف أن جيلنا الحالي مليء بالأمراض الاجتماعية وربما يكون معذورًا في ذلك لنشأته في بيئة استبدادية قمعية غير صحية، لم يكن أحد يقدر مدى الفساد الذي استشرى في الثلاثين سنة الماضية حتى جاءت ثورة 25 يناير وأزاحت رأس النظام فانكشف الفساد وفاحت رائحته، وكلما توغلنا في مؤسسات الدولة كلما اكتشفنا طبقات أعمق وأغمق من الفساد. كل المؤسسات صارت عزبًا يتم توارثها من الآباء للأبناء والأقارب دون التفات للكفاءة أو الأهلية ولا أريد الخوض كثيرًا في التفاصيل التي تصفعنا وتذهلنا أخبارها كل صباح. وكان من الطبيعي والحال هكذا أن تنعزل الفئات والتيارات كل في سبيل وأن يفتقد الجميع القدرة على التواصل الصحي، التواصل مهارة لا يمتلكها إلا الأصحاء ومن يتسمون بالشرف والنزاهة، أما من على رأسه بطحة فهو دائم التحسس لها مما يشغله عن التواصل مع غيره أو الثقة به خشية انكشاف حقيقته. ما أريد الانتباه إليه هو الحفاظ على نقاء الجيل الجديد، ذلك الجيل الذى كان طليعة هذه الثورة والذي مازال يمتلك الكثير من النقاء الثوري والرغبة الحقيقية في التغيير، وهنا أقصد كل الشباب من كل الأطياف والاتجاهات فأنا متأكدة من حضورهم القوي في المشهد السياسي ومتأكدة أن أغلبهم أطهار أنقياء على الأقل بحكم سنهم الصغيرة وعدم انخراطهم في مستنقع المصالح الشخصية والحزبية الضيقة بشكل كبير. يقول تعالى فى سورة الكهف (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) دائمًا الثوار الحالمون هكذا(فتية) يرون ببصرهم الحاد وبصيرتهم النافذة مالا يراه من كل بصره وبصيرته. أرجو أن يحفظ الله شبابنا ولا يرثوا أمراض الجيل السابق ولا ينجرفوا في نفس طريقهم، أيها الشباب لا تحملوا فوق ظهوركم إرثًا تاريخيًا لغيركم ولا تحتملوا دفع فاتورة أخطاءهم، أنتم أمل الأمة الباقي فكونوا عند حسن الظن بكم. اقرءوا وفكروا وتأملوا المشهد بروية واعملوا من أجل مصلحة وطنكم الحبيب مصر الذي اندلعت ثورتكم من أجله، ليس عدلًا أن تحرقوا شبابكم في الميادين من أجل أطماع أولئك الرجال العواجيز ذوي الهامات البيضاء الذين شبعوا من الدنيا وعاشوا شبابهم وكهولتهم بالطول والعرض ويريدون أن يختموها الآن بأمجاد شخصية على حسابكم. ابدؤوا صفحة جديدة فى ظل الحرية دون تعصب ودون تحجر وانبذوا ميراث الكراهية فالكره يولد كرهًا والعنف يجلب عنفًا وبينهما يضيع الوطن ويحترق الشباب ويظل فقط عواجيز الفرح يمصمصون شفاههم طمعًا في ومضة حياة جديدة تمد في أعمارهم التي ذهبت بهجتها، مدوا أيديكم الفتية بعضكم لبعض بتسامح وتعاون وقدرة على التفاهم يحتملها عقلكم المتفتح ونفوسكم الراضية وبراءة أرواحكم، الثورة ثورتكم أنتم يا شباب فافتحوا الطريق واسعًا لإبداعكم من أجل إرساء مبادئ الحب بدلًا من الكراهية والتعاون بدلًا من الشقاق وتقبل الآخر بدلًا من نبذه أنتم فقط من تستطيعون ذلك فلا تستسلموا لمكر عجائز الثورة ومنتفعيها والآكلين على كل موائدها. لا ترثوا أمراض الجيل السابق من التعصب والتراشق والتربص والاستماتة على المنافع الدنيوية، ولا تكونوا حطبًا لنيران حربهم غير المقدسة فأنتم أمل الأمة الأخير، ارفضوا الانخراط في أي عمل يسيء لمصري آخر ولا تسلموا رؤوسكم أو تفتحوا آذانكم لخطاب الشحن والكره وغسيل الدماغ، واقبلوا فقط ما فيه مصلحتكم ومصلحة أوطانكم، قولوا لأولئك الذين شاخوا دعونا نعيش بطريقتنا كما عشتم أنتم طويلًا وكثيرًا وربما أكثر مما يجب.