تضاربت الرؤى وتقديرات الخبراء والمحللين أمس حول " الهدف " المقصود من عملية " شرم الشيخ " المروعة ، ووصلت إلى حد التضارب أيضا في تحديد جهات التنفيذ ، ما بين من يصر على أنها جهات أجنبية محترفة ، ومن يؤكد على أنها " عمل محلي " ، فقد أكد مصدر أمني ل "المصريون" أن استهداف شرم الشيخ بسلسلة التفجيرات الأخيرة ، كان يحمل رسالة ذات مغزى سياسي كبير ، وقلل المصدر من أهمية التقارير التي رجحت أن تكون العمليات عشوائية أو بلا أي مضمون سياسي ، ذلك فيما بدأت تحقيقات أجهزة الأمن المصرية تميل إلى ترجيح فرضية ضلوع أجانب في التفجيرات ، حيث وزعت صورا لنحو50 أجنبيا ، بينهم تسعة باكستانيين دخلوا البلاد بجوازات سفر أردنية مزورة ، يشتبه بتورطهم في تنفيذ التفجيرات . وقال المصدر إنه من الواضح أن العمليات لم تكن تستهدف سياحا إسرائيليين ، وهو التبرير الذي عزت إليه السلطات استهداف منتجعات سياحية في طابا في أكتوبر الماضي ، مشيرا إلى أن شرم الشيخ لم يقصدها الإسرائيليون بأعداد كبيرة ، على النحو الذي يغري الانتحاريين على توجيه ضرباتهم إليها ، لافتا إلى إنه على العكس من ذلك فإن شرم الشيخ يقصدها المئات من المصريين الباحثين عن العمل و الهاربين من البطالة المتفاقمة في سوق العمل بمصر على وجه الإجمال ، وهو ما يفسر و الكلام لذات المصدر ارتفاع عدد الضحايا من المصريين ، فيما كان الضحايا من السياح الأجانب لا يكاد يذكر . ويستدل المصدر ، الذي طلب عدم ذكر اسمه ، من هذه القراءة للحدث على أن الهدف الذي كان يقصده المهاجمون كان بالتأكيد "هدفا كبيرا" حالت الاجراءات الأمنية المشددة عقب الحادث دون الكشف عن هويته غير أنه فيما يبدو واجهت الخطة بعض المفاجآت التي أربكت المنفذين ، ما جعلهم يغيرون خطوط سيرهم و ينفذون العملية في أماكن أخرى لم تكن هي الهدف الذي ينتظرون اصطياده على حد تعبيره . غير أن مصدرا آخر تحدثت إليه "المصريون" ، وطلب عدم ذكر اسمه أيضا ، نفى أن تكون شخصية سياسية كبيرة هي المستهدفة من الهجوم ، مشيرا إلى أن التفجيرات كانت مجرد استهداف رمزي ، للمدينة التي يعتبرها الرئيس مبارك الأكثر أمنا من القاهرة ، و تدار فيها سياسات مصر الداخلية و الخارجية ، مرجحا أن تكون رسالة تستهدف ترويع القيادة السياسية المصرية لصعوبة تنفيذ أية عمليات تستهدفها على المستوى الشخصي . وذلك لحملها على مراجعة مواقفها إزاء الملفين العراقي و الفلسطيني من جهة ، و سياستها الأمنية القمعية في التعاطي مع الحركات الإسلامية من جهة أخرى . من جانبها ، رجحت مصادر بالمعارضة المصرية ل المصريون" ، أن تكون تفجيرات شرم الشيخ ، قد جاءت على خلفية الاحتقانات السياسية المتفاقمة التي تشهدها مصر حاليا ، ولفتت إلى أن مدينة شرم الشيخ ، محاطة بثكنات و حواجز أمنية ، تجعلها عصية على أي محاولة للتسلل ، بدون الخضوع لعمليات فرز أمني دقيقة وبالغة التعقيد ، وتساءل المصدر :كيف استطاعت الشاحنات المفخخة المرور من كل هذه التحصينات؟! ، و قال إن هذا هو السؤال اللغز الذي ستفضي الاجابة عليه إلى فتح كل المغاليق و الأسرار في هذه القضية ، على حد قوله . ولفت المصدر إلى إنه لا يستطيع زائر للمدينة أن يجازف بحمل متفجرات أو إدخالها عبر سيارات إلا إذا كان واثقا من اعفائه من عمليات التفتيش الدقيق التي يخضع له عادة القادمون إلى شرم الشيخ . وفي سياق التحليل الأمني للتفجيرات ، أكد الدكتور محمود خلف الخبير الاستراتيجي ل "المصريون" أن تفجيرات شرم الشيخ تمت بأسلوب قتالي محترف لا يتوافر عادة سوى لأجهزة الاستخبارات المتقدمة أو لمجموعات مدربة بواسطة تلك الأجهزة أو أفرع متخصصة منها. واستبعد اللواء خلف أن تتوافر إمكانيات كهذه لدى مجموعات مصرية محلية صغيرة أو أن تستطيع تلك المجموعات القيام بهذه العمليات الدقيقة والكبيرة من حيث اختيار الأهداف واستطلاع أمكانها وتجهيز الأفراد والمتفجرات ومعدات التنفيذ والتوقيت. وأوضح خلف أنه ليس من سبيل المصادفة أن ترتبط تفجيرات طابا بذكرى حرب أكتوبر وهجمات شرم الشيخ بذكرى ثورة يوليو ، فلا شك أن هذا التوقيت مقصود لتوجية رسائل سياسية مهمة فمثل هذه العمليات تتم بصورة معقدة للغاية بحيث لا تستطيع لفت أنظار الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. وأشار خلف إلى أن تفجيرات كهذه جرت بأعلى مراحل الإختراقية ، واستطاعت استغلال نقاط الضعف وحالات الاسترخاء الأمني ، فالتخطيط تم في بلد والتمويل أتى من بلد آخر وكذلك المتفجرات ومعدات التنفيذ جاءت من بلد ثالث أو أكثر ، مرجحا أن تكون أغلب مراحل الإعداد للعملية قد تمت في دولة مجاورة ، دخلت منها المجموعة المنفذة إلى مسرح العمليات مباشرة أو قبلها بأيام قليلة. ونفى خلف أن يكون المجموعة المتورطة في هذه التفجيرات وقبلها أحداث طابا من المواطنين المصريين فمثل هذه الأحداث الكبرى يستحيل أن تكون ذات طابع محلي على الإطلاق. على صعيد آخر ، وفي سلسلة المفاجآت المتوالية عن الإهمال الأمني الجسيم كشفت التحقيقات عن أن البنك التجاري الدولي المجاور لفندق غزالة في شرم الشيخ ، كان لديه معلومات مسبقة قبل عدة أيام من وقوع الأحداث تفيد باحتمال وقوع عمل إرهابي في المدنة ، بل وصل التحديد إلى أن البنك كان لديه معلومات بأن فندق غزالة تحديدا قد يكون مستهدفا ، وأن المركز الرئيسي للبنك هو مصدر هذه المعلومات والتحذيرات ، وأفاد الموظفون في البنك أنهم أوصلوا هذه المعلومات إلى الأجهزة الأمنية في المدينة ، وأن الجهات الأمنية أرسلت سيارة إطفاء وسيارة سعاف إلى جوار البنك ظلتا هناك حتى وقوع الأحداث . وفي سياق متصل ، كثفت أجهزة الأمن من جهودها لتضييق الخناق على باقي عناصر الخلية التي نفذت التفجيرات ، حيث تم فرض طوق أمني مشدد على المنطقة المحيطة بموقع التفجيرات ، فيما يشن المئات من عناصر الأمن حملات دهم وتفتيش واسعة داخل القرى والتجمعات البدوية القريبة من المنطقة التي استهدفتها الهجمات . وأفاد مصدر أمني بأن قوات الأمن فرضت حصارا مشددا على قريتي الرويسات وخروم ، حيث يشتبه أن باكستانيين ، من بين تسعة باكستانيين تشتبه أجهزة الأمن في تورطهم بالتفجيرات ، يختبئان في المنطقة . وأوضح المصدر أن تبادلا لإطلاق النار قد جرى بين عناصر الأمن ومسلحين من البدو ، يعتقد أنهم يتولون حماية الباكستانيين المشتبه بهم . وكانت الشرطة المصرية قد وزعت صورا لنحو 50 أجنبيا ، تسعة منهم باكستانيون دخلوا البلاد بجوازات أردنية مزورة ، يحتمل أن لهم صلة بالتفجيرات . وقال المصدر إن بعض الأشخاص الخمسين "إرهابيون دوليون معروفون". وأشار إلى أن الباكستانيين كانوا يقيمون في فنادق في شرم الشيخ لكنهم اختفوا في أعقاب التفجيرات ، تاركين جوازات سفرهم في مكاتب الاستقبال. وأعلنت الشرطة المصرية أنها تبحث عن خمسة باكستانيين هم محمد أنور (30 عاما) ورشيد علي (26 عاما) ومحمد اختر (30 عاما) وتصدق حسين (18 عاما) ومحمد عارف (36 عاما). وإذا تأكد ضلوع باكستانيين في تفجيرات شرم الشيخ فستكون هذه السابقة الأولى من نوعها.