قليلون هم مَن يتركون بصماتهم ويُخدلِّون ذكراهم في هذه الحياة... قليلون مَن من ينحتون أسماءهم في ذاكرة التاريخ... قليلون هم مَن يَبقون بيننا على الرغم من صعود أرواحهم إلى الله.. قليلون هم مَن يؤثرون في الناس بعد فراقهم... قليلون هم مَن يعيشون بيننا وهم أموات... رحم الله الراحل الدكتور عبد الحليم عويس، الذي يحتفي بذكرى وفاته الأولى هذه الأيام محبوه وهم كُثُر في كل مكان.. وكأن لسان حالهم يقول: "اللهم ألحقنا به في الصالحين". هذا الرجل الخالد حينما كنت تنظر إليه تجد فيه البساطة والأصالة، وتجد نفسك أمام رجل.. رجل من الذين قال الله فيهم ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ... ﴾ [الأحزاب: 23] ولا نزكي على الله أحدًا. وعندما تسمعه خطيبًا أو محاضرًا أو متحدثًا في المذياع تتمنى أن تتعطل عقارب الساعة لتسمع مزيدًا مما أفاء الله به عليه من علم وفكر وحضور وقبول. ولما تقرأ له تجد نفسك وكأنك ركبت معه سفينة الدعوة.. هو ربانها الماهر، يطوف بها وبك شرقًا وغربًا.. شمالًا وجنوبًا.. طولًا وعرضًا وعمقًا، وهو: الحكيم تارة.. الجريء تارة.. البليغ تارة.. الفيلسوف تارة.. المجاهد تارة.. يأخذك وبسرعة في قلب قلب الحدث.. ويجعلك مشاركًا فاعلًا فيما يحمله من هموم الدعوة... ويُشعرك بعبء المسؤولية وثقلها، ولزوم مشاركتك.. لقد كان المرحوم الدكتور عبد الحليم عويس، يتلمس الواقع الإسلامي بمشكلاته وتحدياته وهمومه وقضاياه المصيرية بعمق المؤرخ الذي ينظر إلى بعيد، وهو يحمل تجارب السابقين، وخبرات الأمم الغابرة.. وينظر إليها برؤية الفقيه ومنظار الإعلامي النابه، ويُخرج ذلك إما مكتوبًا أو مُذاعًا أو سلوكًا واجب الاقتداء. • لقد أعطاه الله قلمًا أبان به الحق، وقصف به الباطل.. وسلط قذائفه على المعوجين، وعلى "خفافيش" الظلام، وعلى أعداء الله. • وأعطاه قلبًا رحيمًا.. جعله يحمل الزاد -في خفاء- على كتفه، وأحيانًا على ظهره، ويصعد به في الأدوار العُلا؛ ليطعم طلاب العلم "الأغراب"، الذين أسكنهم في رحابه، وعلى نفقته حسبة لله.. • ووهبه الله نفسًا سخيةً، جمعت حوله الهنود والأتراك والمغاربة والأفارقة والمسلمين من كل صوب وحدب.. • وأعطاه الله قدرة وطاقة هائلة على تحريك الخير الكامن في نفوس كثير من التجار والأثرياء وغيرهم، ليجعلهم فاعلين ومشاركين ومؤدين واجبهم نحو ربهم، ونحو دينهم ونحو الضعفاء. رحم الله الدكتور عبد الحليم عويس، فقد جمع الله على يديه شتات كثير من الأزواج والأسر -بعد أن كادت بيوتهم أن تتدمر- وجمع على شتات العلماء.. وكان بيته -رحمه الله- مركزًا للدعوة، ومركزًا للرحمة، ومركزًا للعطاء والبناء الروحي والأخلاقي والحضاري.. عرفته أبًا حنونًا مساندًا على تحمل الصعاب، ومجاملًا.. وعالمًا جليلًا.. وفارسًا مغوارًا، لا يخشى في الحق لومة لائم.. عرفته وقد سلَّط قذائف قلمه الجريء نحو مصانع الكذب.. ووقف بالمرصاد وراء المحاولات الرامية إلى إبعاد الدين عن مسرح الحياة.. وإذا كان مصابنا أليمًا في وفاته -رحمه الله- فعزاؤنا أنه ترك تراثًا خالدًا، سيكون -بإذن الله- معينًا لا ينضب للأجيال القادمة.. وندعو الله سبحانه وتعالى أن ينعم عليه بشآبيب رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يرد حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. المدير التنفيذى لرابطة الجامعات الإسلامية