أصبح هذا الشعار هو مربط الحصان للمعارضين والمؤيدين على حدٍ سواء، لكنه يبقى مجرد دعوى فارغة يلزمها البرهان وتفتقر إلى الدليل، نعم هى مجرد دعوى عريضة فى أمس الحاجة إلى تأييد وتدعيم، ولو أنّ هناك دعوى تُقبل دون دليل لقبلت دعوى اليهود والنصارى "من أنهم أبناء الله وأحباؤه" ولأعطى من شاء ما شاء! والسبيل الوحيد لتحرير محل النزاع فى هذا الشعار الذى يتناوله المعارضون كما يرفعه المؤيدون وحتى لا يتهم أيًا منهما بأنه دعىّ.. السبيل هو الاحتكام إلى الشعب نفسه لأنه صاحب الحق الأصيل الذى يتكلم باسمه هؤلاء وهؤلاء بالوكالة، وعند ذلك سوف يطالب بالدليل كل من يدعى أنه المتحدث الرسمى والحصرى والوحيد باسم هذا الشعب، ونجاحه فى إثبات دعواه دحض لدعوى الخصم ،ودفع له بعيدًا عن الحلبة، وإزاحته خارج السياق كله، فضلًا عن إقامة الحجة علية أنه متاجر ليس إلا! نعم لأن رفع شعار "الشعب يريد" يلزم من صاحبه القول بأنه يمتلك ناصية الشارع، ولديه القدرة على تحريك الجماهير بما لديه من تفويض جماهيرى مفتوح يُفهم ضمنًا وبالضرورة من هذا الشعار المرفوع، ومن هنا يصبح الخوف والقلق من اللجوء إلى الشعب عبر آليات الصندوق ليس له ما يبرره، وإنما هو الطريق الوحيد لوضع هذا الشعار المرفوع على المحك، وساعتها سوف ينقشع الغبار ليعلم يقينًا صاحب الشعار.. أفرسًا كان يركب أم حمار؟! وذلك عملًا بقول الشاعر: كل يدعى وصلًا بليلى وليلى لا تقرّ لهم بذا وإذا اجتمعت دموع فى خدود تبين من بكى ممن تباكى لذا حين يطلق المعارض عقيرته بهذا الشعار هاتفًا"الشعب يريد إسقاط الدستور" مثلًا فهذا يعنى أن مطلبه هذا هو مطلب شعبى بامتياز.. وبناء على ذلك سوف يقوم الشعب عند الاقتراع بالتصويت"بلا" وإلا كانت هذه المسألة برمتها مجرد سبوبة للاسترزاق وأكل العيش! أو أنّ الشعب المقصود هو الشعب الإسرائيلى أو الشعب الأمريكى أو أى شعب آخر غير هذا الشعب، أو كان المقصود بكلمة الشعب فى الشعار المرفوع هم أرامل جبهة الإنقاذ الوطنى، والتى هى بدورها حرم المرحوم المتنيح الراحل الحزب الوطنى المنحل، أو قصد بها النخب المخملية، والتى ترابط بدورها فى استديوهات فضائيات الفلول، والتى دائمًا ما ترى فى حواراتها المكررة والمملة أنّ الديمقراطية ليست الصندوق، وإنّما هى الظروف المجتمعية الموصلة للصندوق، وهو تعريف لو تعلمون عظيم! وذلك لأنّهم يختزلون الشعب فى ذواتهم المقدَّسة باعتباره أميًّا جاهلًا لا يفرق بين ما ينفعه وما يضره يمكن شراء إرادته ببعض أكياس السكر وزجاجات الزيت! إذن الشعب المقصود هنا فى الشعار إيّاه ليس الشعب المصرى بحال، وإنّما هو شعب "بتسوانا" الشقيق فى الجنوب الإفريقى! ولذا ينبغى أنّ يفهم الشعار فى ضوء الشروحات المتعددة للديمقراطية من قبل الكائنات الفضائية التى تسمّى بالنخب من أصحاب الذمم الواسعة، والتى لا تفوقها فى السعة إلا سعة رحمة الله تعالى! وهنا يصبح لفظ الشعب من قبيل الكل الذى يراد به الجزء على طريقة المجاز المرسل،أو العموم الذى أريد به الخصوص كما يقول علماء الأصول والمنطق! يا سادة.. من يرفع شعار الشعب يريد.. لا يرهب الشعب.. ولا يفزع من اللجوء إليه.. ولا يصادر على اختياره.. بل عليه أن يقيم الأفراح والليالى الملاح إذا ما نجح فى استدراج خصمه إلى الاحتكام إلى الشعب وإلا كان ذلك منه مجرد نصب واحتيال.. وعمل بهلوانى.. وشعوذة سياسية.. ودجل إعلامى.. وتضليل نخبوى لا يفوقه فى الطول والاستطراد والملل إلا مسلسل"الجرىء والجميلات" الأمريكى الشهير. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]