علمت المصريون أن تقارير الرأي العام التي رفعت للقيادة السياسية عقب تفجيرات شرم الشيخ طالبت بضرورة إغلاق ملف "توريث الحكم " بشكل نهائي ، محذرة من أنه بدون ذلك فإن النظام السياسي سيبقى معزولا عن أي دعم أو تعاطف شعبي حال وقوع هجمات جديدة ، ذلك فيما أعربت قوى المعارضة المصرية عن قلقها ، من أن يستغل النظام تفجيرات شرم الشيخ ، في فرض المزيد من القيود على الحركات المطالبة بالإصلاح ، و قللت من تفاؤلها إزاء قدرة النظام على النزول من "برجعاجيته" على حد تعبيرها عند مطالب المعارضة التي ترى فيها المخرج الوحيد لاسترداد مصر هيبتها في الخارج و استقرارها و أمنها الداخلي . و في هذا السياق قال مجدي أحمد حسين الأمين العام لحزب العمل المجمد في تصريحات خاصة ل"المصريون" إن النظام لم يكن جادا في يوم من الأيام في عملية الإصلاح حتى تجبره تفجيرات شرم الشيخ على التراجع عنها . وتوقع حسين أن يتعامل النظام ب"عصبية" مع القوى المطالبة للإصلاح لافتا إلى أن المستفيد الوحيد من تلك الأحداث هو النظام السياسي ، إذ سيعمل على توظيفها لالتفاف الرأي العام حوله ، محذرا من أن هذا الاستغلال سيكون غير مأمون العواقب ، مراهنا على وعي الشعب في كشف ما اسماه التوظيف الرسمي لدماء الضحايا في خدمة أجندة النظام" التي تعتمد على الاحتيالية و المماطلة و التسويف " على حد تعبيره . و حذر الأمين العام لحزب العمل ، من إسراف القوى المطالبة بالإصلاح في التزامها الهدوء و التخلي عن ممارسة الضغوط بدعوى احترام الصدمة النفسية التي خلفتها تفجيرات شرم الشيخ ، لافتا إلى أن هذا التراجع المؤقت سيغري النظام على التمدد ليملأ هذا الفراغ ، و يجعله بمضي الوقت في حل من استحقاقات الإصلاح . من جانبه ، شدد د. عبد الحليم قنديل المتحدث بلسان حركة كفاية ل" المصريون" على أن النظام لم يتعلم من أخطائه ، لفشله في صوغ أجندة سياسية بدلا من تلك الأجندة الأمنية التي يستنسخها في تعاطيه مع كامل الشأن المصري الداخلي ابتداء من اختيار رؤساء الجامعات و انتهاء باختيار العمد و المشايخ . وتوقع قنديل أن يعيد ذات الخطأ في تعاطيه مع الأزمة الأخيرة ، و سيميل إلى الاعتقالات العشوائية التي أفرزت أحداث شرم الشيخ إذ و الكلام لقنديل تعاملت أجهزته الأمنية على حد تعبيره ب"غشومية" مع المجتمع السيناوي غير مكترث بتقاليده العشائرية و القبلية و اعتقل الشيوخ و النساء و تعذيبهم ، ما أفرز مناخ ثأري بين السلطة والعشائر السيناوية محذرا من أن استمرار هذا النهج سيجعل تفجيرات سيناء بالنسبة للأحداث المتوقعة "لعب عيال" على حد قوله . غير أن الدبلوماسي والمحلل السياسي المصري المعروف د. عبد الله الأشعل قلل من أهمية تلك التوقعات مرجحا أن يتخلى النظام عن سياسة التوسع في عمليات الدهم و الاعتقالات في التعامل مع أهالي سيناء ، لافتا إلى أن النظام الآن في أضعف حالاته ، و لا يستطيع في الظرف الدولي الحالي ، الذي يراقب أداء النظام السياسي ، و لا يكف عن تحذيره أحيانا و توبيخه أحيانا أخرى ، أن يستثمر حادث شرم الشيخ في التعامل مع المعارضة بخشونة تثير عليه حنك حلفائه الغربيين . فيما قطع الخبير بمركز الأهرام الاستراتيجي د. ضياء رشوان بأن النظام ليس مجبرا الآن على شن حملة اعتقالات بين صفوف المعارضة ، لأن الحدث في حد ذاته يفضي عفويا إلى صالحه ، فالمعارضة تراجعت عن النزول إلى الشارع لتنظيم مظاهرات كانت مقررة قبيل الأحداث ، و ذلك مراعاة لمشاعر الرأي العام الغاضبة مما جرى في شرم الشيخ ، فضلا عن أن الميل إلى تفسير وجود أطراف أجنبية في استهداف شرم الشيخ ، يفرز بطبيعته حالة تعاطف و التفاف شعبي حول القيادة السياسية ، مشيرا إلى أنه ليس بوسع المعارضة أن تحيل الأحداث إلى "أخطاء سياسية" و إنما هي بحسب رأيه ، "أخطاء أمنية" من النوع الفني الذي يستدعي إقالة القيادات الأمنية الوسطى ، و أضاف: رغم كل ما تردد من أن التفجيرات جاءت ردا على القمع الأمني بعد تفجيرات طابا في أكتوبر الماضي ،إلا أن هذه التفسيرات تعوذها الدقة و الواقع العملي ، إذ أن التيار الإسلامي يتلقى معاملات قاسية وغير إنسانية منذ التسعينيات ولم يكن ثمة رد فعل مماثل أو قريب مما شهدته شرم الشيخ مطلع هذا الأسبوع . وفيما رأى عبد الله الأشعل أن خسارة النظام الوحيدة من أحداث شرم الشيخ إنها فرضت عليه تأجيل قضية التوريث ، إلى حيت تجاوز الأزمة ، فإن مجدي حسين و ضياء رشوان توقعا أن لا يضار ملف التوريث بتلك الأحداث باعتبارها ملفا مؤجلا و ليس ملحا في الوقت الحاضر . من ناحية أخرى ، علمت "المصريون" أن تقارير الرأي العام التي رفعت للقيادة السياسية عقب التفجيرات طالبت بضرورة إغلاق ملف "توريث الحكم " بشكل نهائي والإعلان رسميا عن ترشح الرئيس للانتخابات الرئاسية المقبلة ، مشيرة إلى أن طرح قضية التوريث أضعف كثيرا من قدرة النظام على مواجهة الأخطار المحدقة بالبلاد . وأشارت التقارير إلى أن جميع القوى السياسية اتخذت موقفا قوميا وجمدت مؤقتا تحركاتها المطالبة بالإصلاح تضامنا مع أسر الضحايا الذين سقطوا في التفجيرات ومراعاة لحالة الحزن التي عمت البلاد ، فضلا عن شعورها بالأخطار المحدقة التي تهدد الأمن القومي . واعتبرت التقارير أن إعلان حركة كفاية والتجمع الوطني والإخوان عن تعليق مظاهراتهم عقب أحداث شرم الشيخ يعد تأكيدا على وطنية وتوجيهات تلك الحركات. وكشفت مصادر مطلعة ل " المصريون " أن تلك التقارير لعبت دورا رئيسيا في رفض الرئيس مبارك لمطالبة بعض رموز الحرس القديم بالحزب الوطني وعناصر من لجنة السياسات بالحزب ، له باستخدام السلطات التي يخولها له قانون الطوارئ لحظر نشاط كافة حركات الإصلاح السياسي الموجودة حاليا على الساحة وكذا حظر كافة أنواع المظاهرات. وقالت المصادر إن الرئيس مبارك رفض أيضا شن حملات اعتقال نوعية ضد بعض رموز الحركات المطالبة بالإصلاح وضد عدد من الكتاب بزعم إثارتهم للرأي العام.